الخاتمة
تحركت شذى بحذر وعيناها مغطيتان بوشاحها الحريري الذي ربطه ضياء عليهما وحاولت تحسس الأرض الترابية أسفلها لتخمن أين يأخذها فضحك قائلًا
"ممنوع الغش"
شعرت بذراعه حول خصرها تدعمها وقلبها المطمئن بقربه سلمه قياده فتحركت معه آمنة .. ابتسمت وهي تتذكر بحنين ومرح كيف كادت تهرب يوم زفافهما من شدة توترها لكنّها نسيت كل شيء حين رأته .. كان يستحق .. بعد كل تلك الأشهر التي احتمل فيها مخاوفها ومزاجها المتقلب وصمد حتى ملك قلبها وأزال كل شكوكه .. أثبت لها حبه وإخلاصه بكل الطرق ولا زال يفعل .. لم يعد يهمها الماضي .. لقد تركته في الخلف حيث مكانه وقررت أن تثق .. قررت كما أخبرتها روض أن تخوض التجربة حتى نهايتها بكل تقلباتها ونتائجها .. الحياة تحمل كل المتناقضات داخلها وهي لن تكون ضعيفة وتختبئ خلف جدار الماضي تاركة متعة الحياة والحب .. روض وأصدقائها معها ولن يدعوها تسقط والأهم .. أنّه معها ... يده في يدها دائمًا .. يخطوان رويدًا وكما وعدها يزيدان بنيان حبهما قوة كل يوم.
انتبهت على صوت بوابة حديد تفتح ثم قادها للداخل .. توقفت لحظة عندما لفحها عبير الزهور، وهمست بقلب مرتجف
"ضياء .. هل نحن في حديقة؟"
ضحك مجيبًا
"شيء من هذا القبيل"
سارت معه بضع أمتار حتى أوقفها ومال على أذنها هامسًا
"هديتي لكِ يا ملكة الزهور"
وأزال الوشاح برفق لتفتح عينيها وشعتا بانبهار ولم تلبث الدموع أن غمرتهما
"ضياء .. هذا"
صمتت بتأثر وتحشرج صوتها فقال مبتسمًا وهو يحتضنها من الخلف مشيرًا لما حولهما وعيناها تتبعان إشارته لتلامسا مئات الشجيرات والآف الزهور الممتدة على مساحة واسعة.
"هذا كله لكِ أميرتي .. طيلة العام الماضي وأنا أشرف على إعدادها"
سالت دموعها وهو يردف بحب
"مشتل الزهور الممتد أمامكِ بكل زهوره .. ملكك أنتِ"
شهقت بدموع سعادتها ودارت لتتعلق بعنقه هاتفة
"أحبك .. كم أحبك"
ضحك بسعادة وابتعدت هي تغمر وجهه بالقبلات
"وأنا أحبكِ يا زهرتي"
احتضنته بكل عشقها وعيناها الدامعتان تمران على جنتها الصغيرة
"أحبك يا ضياء الغمري .. أحبك كثيرًا، ولست نادمة على وقوعي في حبك"
قبلها بحب وغمغم وهو يسحب وشاحها الذي لامسه عطرها المحبب
"وأنا ممتن للقدر الذي أوصلني لكِ، بنفحة عطر سحرية في يوم صيفي قائظ لتأسرني وتوقعني أسيرًا في حبكِ"
ضحكت ناظرةً للوشاح الذي أخبرها سره يومًا لتدرك ممن ورثت روض حاسة شمها غير الطبيعية .. غمزت له مبتسمة وأخبرته
"بالمناسبة .. روض أهدتني هذا الوشاح بعد أن عطرته بإحدى تعويذاتها .. أخبرتني أنّها وضعت تعويذة خاصة بالحب متمنية أن توصلني للعاشق المنتظر"
رمقها بغير تصديق فضحكت تهز رأسها مؤكدة
"أقسم لك هذا ما قالته لي .. صحيح قالت .. أنّها فعلت هذا لتفك النحس عني"
ضحك على كلماتها المتذمرة بينما قالت بعد قليل بابتسامة شقية
"لك أن تتخيل ما حدث عندما ارتديته ذلك الصباح .. يفجر أحدهم إطارات سيارتي واركب الحافلة البائسة وأخوض عراكًا شرسًا مع متحرش ثم"
سحبها إليه يعانقها بعشق مكملًا
"ثم وقعتِ مباشرة في طريق العاشق وسحرتِه"
شعر بابتسامتها في قبلتها التي بادلته إياها بكل العشق الذي حررته أخيرًا
"بل العاشق هو من أوقعني في سحره"
همستها واستسلمت لسحر عشقهما تحيطهما آلاف الزهور بعطرها وهمساتها الحانية.
*************
"حسن .. أين تأخذني؟"
هتفت روض بنزق وهي تحاول إزاحة كفه عن عينيها فهتف
"اهدأي قليلًا يا روضتي .. ستفضحيننا وتجعلين كل الجيران يخرجون ليتفرجوا علينا"
ضحكت بمشاكسة
"لن تكون أول مرة"
ابتسم بقلة حيلة بينما يقودها بحذر لتصعد السلالم حيث المفاجأة التي أعدها بمساعدة العم راضي وشذى التي استعان بخبراتها .. تذكر ضاحكًا موقفها سابقًا حين تولت مع فريق محلها تنظيم حفل زفافه هو وروض بزهورها الخاصة وكيف كان مبهرًا ولم يعرف كيف يشكرها على تحقيق حلمه على الواقع، لولا أنّها نسفت رغبته تلك وكادت تدفعه لخنقها من الغيظ حين تمسكت بروض وظلت تبكي رافضة التخلي عنها.
انتزعته روض من ذكرياته وهي تقول
"لماذا نصعد للسطح يا حسن أليس مغلقًا؟"
ابتسم وهو يفتح الباب الخشبي قائلًا
"ليس بعد الآن"
هتفت قبل حتى أن يحرر عينيها
"زهور .. أشم رائحة زهور"
قال دون أن يرفع كفه
"أجيبيني أولًا .. هل تعرفين أي ذكرى توافق اليوم؟"
شعر بتقطيبتها أسفل كفه وقال ضاحكًا
"يجب أن تقولي الجواب الصحيح لتحصلي على المفاجأة"
صمتت قليلًا تفكر ثم أجابت بعبث ليدرك أنّها كانت تدعي الجهل من البداية
"ذكرى وقوعي من فوق الصخرة في حبك مباشرة"
ضحك بقوة ثم رفع كفه عن عينيها متمتمًا بسعادة
"بل ذكرى وقوعي أسير تعويذتكِ يا ساحرة"
فتحت عينيها لتشهق بذهول عندما رأت المنظر أمامها، واندفعت الدموع إلى عينيها، بينما ترى السطح القديم الذي كان مليئًا بالحجارة والأشياء القديمة قد تحول لحديقة ساحرة مليئة بنباتات الزينة والشجيرات والزهور وظللهم سقف متحرك يمكن إزاحته للسماح للشمس بتغذية نباتات الشمس واستقرت نباتات الظل بعيدًا عن أشعتها، بينما استقرت في جانب منها تعريشة خضراء أسفلها أريكة وأخرى تحتها أرجوحة متحركة.
"حسن .. هذا ... لا أصدق"
همست بتحشرج وابتسم هو بحنان وأمسك يدها يشدها لتتقدم معه
"هذه حديقتكِ الخاصة عطارتي"
سالت دموعها وهي ترنو إليه بعشق بينما يتابع
"تحبين أن تصنعي زيوتكِ العطرية بنفسكِ وتستخلصيها من الزهور .. هذه كلها لكِ .. هناك أعشابكِ الطبية .. وهناك في هذا الجانب زهوركِ المفضلة .. باختصار هذه حديقتكِ وكل ما فيها ملككِ عطارتي"
ارتمت في حضنه هاتفة بسعادة وتأثر
"لا أعرف كيف أشكرك حبيبي .. هذه أجمل هدية حصلت عليها .. شكرًا كثيرًا"
ضحك مشاكسًا وهو يرفع وجهها إليه بينما تحيط عنقه بذراعيها
"شكر حاف هكذا لا ينفع ولا يليق بهديتي"
لمعت عيناها بشقاوة وارتفعت على أطراف أصابعها مقتربة من شفتيه لتهمس قربهما
"ألديك اقتراحٌ محدد؟"
أومأ وعيناه تلمعان بعبث وشقاوة مماثلة وانحنى نحوها أكثر، ويده تحتضن قلادتها وهمس عابثًا
"أشتهي وبشدة .. وجدًا ... فنجان شاي ورد من يديكِ الساحرتين عطارتي"
رفعت أحد حاجبيها ورمقته شذرًا
"هذا ما تشتهيه؟"
ضحك على نبرتها المغتاظة فدفعته بحنق وكادت تبتعد لولا أن شدها من خصرها يُلصقها به. قاومت لثوان قبل أن تستسلم بنعومة وحب تبادله عناقه هامسة له بحبها مع كل ذرة عطر تفوح عبر قلادتها الصغيرة حاملة معها تعويذة عطرها التي ربطت بين قلبيهما وستظل تربطهما للأبد.
**********************
تمت بحمد الله
1/7/2020
**********
ضيوف شرف من أعمال أخرى
*زياد هاشمي من رواية (وللحب فرص أخرى)
*أحمد ورباب من قصة قصيرة (كلمات القدر)
***************
شرفنا بوجودك، اشترك من هنا