الفصل الأول
رقعة شطرنج أخرى،
رقعة افتراضية،
في مكان آخر…
حرك سالم آخر قطعة مختتمًا اللعبة بفوزه قبل أن يغلق حاسوبه ويتراجع في كرسيه متنهدًا بحرارة، رفع كفيه يشبكهما خلف رأسه بينما يدور بكرسيه المتحرك لتتعلق عيناه خارج نافذة مكتبه، ظل شاردًا للحظات، عقله يتنقل بسرعة البرق بين أفكار مختلفة قاطعها في النهاية زافرًا بقوة.
نهض متجهًا إلى مطبخ شقته بينما يلقي نظرة على ساعة يده، ما زال أمامه ساعة قبل أن يغادر إلى وجهته. أعد وجبة سريعة وعاد إلى مكتبه ليلتقط ملف المشروع القادم مع شركة هشام رضوان. لا يعرف لماذا أصر جده على أن يتولى هذا المشروع بنفسه رغم وجود شقيقيه وابن عمه لكنه سيسايره إلى النهاية.
هذا ما أعاده من الأساس، أليس كذلك؟
لم يتوقع في أقصى أحلامه أن يتنازل جده ويذهب إليه في منفاه ليعيده عارضًا عليه صفقة كان يعرف أنه لن يستطيع رفضها.
والصفقة بالفعل لم تكن لتُرفض… حتى وإن اضطر لجرح شخص عزيز كان يعتمد عليه.
ليعترف أنه كان أنانيًا، ولم يفكر فيها لحظة حين عرض عليه جده الأمر، وكم يؤسفه أن يدرك هذه الحقيقة.
هل كان يحلم بالعودة إلى وطنه مرة أخرى بل ويمتلك الفرصة لاستعادة كل شيء خسره في الماضي؟
ليس كل شيء.
فكر بغصة قبل أن يهز رأسه طاردًا خيالها كما فعل لآلاف المرات ربما منذ عودته.
منذ عادت تتسرب إلى عقله، كأن عودته للوطن أضعفته وخلخلت السلاسل التي قيد خلفها كل ذكرياته ومشاعره.
كم مرة منذ عاد وهو يراها؟ كم مرة تخيل أنها أمامه ثم يكتشف أنها كانت وهمًا من صنع عقله لا أكثر؟
"توقف"
همس آمرًا نفسه وكان يعرف أنه سيفشل في النهاية بعد حين.
يجب أن يتوقف عن هذا فلا فائدة منه، هناك طريق عليه قطعه إن أراد الانتصار على جده في معركة الإرادات.
هو يعرف أنه لم يقرر عودته إلا لهدف في رأسه، ليس فقط ليطمئن على إرث العائلة وأنه بعد تفكير قرر أن لا أحد أحق منه بخلافته في حكم العائلة بعد رحيله.
عليه أن يركز الآن حتى ينجح، فبعدما تلبسته شهامته ومنح وتين حريتها لتتزوج من تحبه، أخل باتفاقه مع جده لكن من الجيد أنه استطاع إقناعه أنه ما زال على اتفاقهما وسينتظر الفتاة التالية التي سيقع اختياره عليها لتكون زوجته المستقبلية.
ليدع الله فقط أن تكون مثل وتين وترضى بزواج صوري إلى أن يتمكن من ترتيب أموره ويسيطر على مقاليد الأمور في السراي والشركة.
معركته مع جده ستطول قليلًا للأسف.
طرد أفكاره ليركز على مراجعة أوراقه ولم يتوقف إلا حين رن هاتفه فالتقطه وتنهد بأسى مع رؤيته اسم المتصل
"مرحبًا أمي، كيف حالكِ يا حبيبتي؟"
وصله صوتها الحنون مختلطًا كالعادة بشيء من الحزن، لامه قلبه ككل مرة لأنه يعرف السبب
"بخير، كيف حالك أنت يا حبيبي؟ هل كل شيء بخير عندك؟ هل تأكل جيدًا و…"
قاطعها ضاحكًا
"كل شيء بخير يا أمي، ونعم، أنا آكل جيدًا ولا أنسى أن أتغطى جيدًا وأنا نائم"
"هل تسخر مني يا سالم؟"
ضحك متمتمًا باعتذار
"حاشا لله، أنتِ فقط من تصر على نسيان أنني لم أعد طفلًا… توقفي عن القلق عليّ يا أمي"
انتظر لثوان قبل أن يسمع صوتها وهذه المرة وصلته رجفة البكاء المكبوت فيه
"كيف لا تريدني أن أقلق؟ ألا يكفي السنين التي كنت أقلق فيها ولا أعرف كيف أطمئن عليك؟ ألا يكفي أنك تصر على البقاء في تلك الشقة بمفردك ولا تريد العودة للسراي منذ رجعت"
"أمي، أرجوكِ، ليس مرة أخرى"
أخبرها برجاء لتهتف هي
"أنت عدت ولم تعد يا سالم، كيف تريدني أن أحتمل هذا؟ قبل عودتك كنت أحتمل لأنه لم يكن أمامي خيار لكن الآن، كيف تتوقع مني أن أستمر هكذا… ابني الكبير يعيش بعيدًا عني ولم أره إلا مرات تعد على الأصابع بعد كل السنين التي احتملتها بعيدًا عنه"
"أمي"
هذه المرة دموعها وصلته واضحة
"أمي، لا تفعلي هذا… لماذا لا تتفهمينني؟ لا يمكنني العودة إلى ذلك السراي… الأمر…"
قاطعته بكلماتها المتقطعة بالبكاء
"أعرف أن الأمر صعب عليك، لكن… مصيرك تعود إلى هنا يا بني، لا يُعقل أن تقاطع عائلتك للأبد"
تنهد بحرارة
"أنا لا أقاطعكم يا أمي، أنا فقط لا أريد العودة لذلك المكان… لن أحتمل"
قبل أن تعاود جداله قاطعها بسرعة
"على أية حال، أعدك سأفكر في الأمر وليفعل الله ما فيه الخير… الآن، أنا مضطر للذهاب يا حبيبتي"
"لا تتهرب يا سالم"
ابتسم بشحوب
"أقسم لكِ لا أتهرب، أنا بالفعل لديّ مشوار مهم يخص الشركة، سنكمل كلامنا لاحقًا إن شاء الله"
"لا، إن كنت ستتحدث معي مرة أخرى فتعال إلى السراي، غير هذا احتفظ بكلامك لنفسك"
"أمي"
قاطعته باقتضاب
"هيا، اذهب إلى عملك المهم، لا تدعني أؤخرك أكثر"
فتح فمه ليقول شيئًا لكنه تراجع وردد بتنهيدة حارة
"أراكِ قريبًا حبيبتي، أبلغي سلامي لجدتي وللجميع"
صمتت لبرهة ثم ودعته بصوت متهدج وأغلقت، ظل ممسكًا هاتفه بشرود حزين قبل أن يضعه على مكتبه هامسًا بخفوت
"سامحيني يا أمي، ليس بيدي"
العودة للسراي!
العودة للوطن كانت صعبة أساسًا، لكن عودته لذلك المكان الذي خرج منه غاضبًا قبل عشر سنين تبدو أصعب.
مرت أشهر منذ عودته لكنه عاجز عن كسر حاجزه، عاجز عن تجاوز شعور الاختناق الذي ينتابه كلما فكر في العودة بين تلك الأسوار.
يريد أن يعود لأجل أمه وجدته على الأقل لكنه عاجز.
كأن عودته إلى هناك تعني أنه قد عاد حقًا لأسر جده ووافق على وضع رقبته تحت المقصلة كالبقية.
لكنه في أعماقه يعرف كم يخدع نفسه…
بقاؤه خارج الأسوار لا يفرق من الأساس، مجرد عودته تحت سماء الوطن يعني أن رقبته عادت لتقع تحت مقصلة جده،
مثل الجميع.
*******************
مشدودة عن آخرها كوتر يكاد يتمزق،
على شفا انهيار تنكره لكنها تشعره يقترب بسرعة في الآونة الأخيرة.
كل شيء يضغط عليها مهددًا بتحطيم قواها التي بَنَتها على مر سنوات؛
مرض والدها وقلقه الواضح عليهن منذ زارهم ابن عمها البغيض وألقى أوامر جدها بكل عجرفة، والوضع الجديد الذي يلوح في الأفق بعد ظهور عائلة أبيها على المشهد.
زفرت رواء بضيق عندما حطت أفكارها عند تلك النقطة، أسرعت ترسم على شفتيها ابتسامة حين رأت نظرات أبيها المتفحصة. انتظرت حتى انتهت الممرضة من فحص معدلاته الحيوية وطمأنتها عليه لتعود هي للجلوس على كرسيها جواره
"الحمد لله، أخبرني الطبيب أنّه لم يعد هناك حاجة لبقائك في المشفى، في الغد إن شاء الله سيسمح لك بالخروج"
لم يرد لثوان وشعرت بالتوتر تحت نظراته المتفحصة
"أنا بخير يا رواء، لكن يبدو أنكِ لستِ كذلك"
"من قال هذا؟ أنا بخير… ما دمت أنت بخير فأنا بالتأكيد بخير"
أخبرته بحب والتقطت كفه لتقبلها
"حفظك الله لنا يا حبيبي"
بادلها ابتسامة محبة وهو يربت على يدها، واسترخى في الفراش متمتمًا
"لماذا أنتِ هنا على أية حال؟ ألستِ في العمل؟"
"هل تطردني يا أبا رواء؟"
ابتسم قائلًا
"نعم أطردك، أخبرتكِ في الهاتف أمس ألا تتعبي نفسكِ ومع ذلك أتيتِ"
"وما المشكلة في استئذاني لبضع دقائق أطمئن عليك فيها ثم أعود لعملي"
هز رأسه يخبرها بحنان
"المشكلة أنكِ تهملين نفسكِ، يبدو أنّكِ لم تنامي منذ أتيت إلى المشفى"
لم يمنحها الفرصة لتنكر بينما يواصل
"وجهك متعب وشاحب، أنا لا يرضيني هذا أبدًا… هل تنتظرين أن ترقدي مكاني أم ماذا؟"
تنهدت متمتمة
"أنا بخير يا حبيبي لا تقلق"
ثم تابعت مشاكسة
"أعامة أعدك، ما أن تعود للبيت غدًا إن شاء الله سأعوض كل ما فاتني من نوم، لكن لا تندمون لاحقًا عندما تعجزون عن إيقاظي"
ضحك بخفوت قبل أن يصمت كلاهما، تأملها للحظات ثم ردد
"أعرف أنّكِ قلقة بشأن جدك وزيارة شهاب وما حدث منه لكن ابن عمك لم…"
قاطعته مقطبة
"أبي، لا تتحدث الآن عن هذا… لا أريد أن يرتفع ضغطك مجددًا وتتعب… ارتح أنت واستعد صحتك وبعدها سنتحدث في كل شيء"
انصبت نظراته المدققة من جديد عليها وفتح فمه ليقول شيئًا، وحمدت الله عندما تراجع، وأنقذتها طرقات الباب ودخول أمها وطيف لتنهض قائلة
"ها قد أتت جميلتك لتنقذك من وجودي الثقيل"
ومالت تقبله بحب
"سأذهب الآن ففترة راحة الغداء تكاد تنتهي، لا ترهق نفسك بالحديث، اتفقنا؟"
أومأ بابتسامة قبل أن يلتفت لأمها التي اقتربت لتجلس مكانها وتبادلت معهم بضع كلمات قبل أن تودعهم وتغادر، ما أن أغلقت الباب خلفها حتى أسقطت ابتسامتها واستندت للحائط لبرهة مغمضة عينيها قبل أن تعتدل وتغادر لتلحق بعملها.
لترمي كل شيء الآن خلف ظهرها،
والدها بخير، وهي ستكون بخير، عليها أن تكون كذلك لتصمد في مواجهة عائلة أبيها. لن تسمح لهم أبدًا بفرض شروطهم أو وصايتهم عليهن بعد كل هذه السنين،
لن تكون رواء العزايزي إن سمحت بهذا.
*******************
صناديق الذكريات،
تلك التي تأكدت من غلقها على ما فيها من فرح وحزن، بما فيها من لذة وألم، بكل التناقضات فيها…
لماذا لا تبقى مغلقة للأبد؟
لماذا تصر على العودة إلى الواقع؟
الواقع الذي لا يحتمل عودتها.
أو ربما هي من تتوهم أن الماضي عاد!
فكرت سمراء بشرود قبل أن تخونها عيناها فتنظران عبر الجدار الزجاجي، يداها تنسقان الزهور بآلية وقلبها في واد آخر.
ما زال يقف هناك.
كعادته.
كم مر منذ عاد للظهور في حياتها؟ هل مرت أشهر؟ لم تعد تذكر.
وربما ليس هو من الأساس.
لقد انتقلت هي وأسرتها من محل إقامتهم القديم قبل سنين، منذ تحطم كل شيء وانكسرت رواء.
بالتأكيد ليس هو.
لكن…
عشر سنوات كفيلة أن تغير ذلك الشاب الذي كانه، أليس كذلك؟
لماذا يصر قلبها أنه هو إذن؟
ربما لو اقترب أكثر لتأكدت من ذلك الشبه، لكنه يصر على البقاء بعيدًا، يغيب لفترات تطول أو تقصر ثم يعاود الظهور، يغادر سيارته ليقف مستندًا إليها، مكتفًا ذراعيه، عيناه طوال الوقت لا تفارقان كشكها.
يقف صامتًا كتمثال لبضع دقائق ثم يذهب.
لولا جبنها وخوفها من أن تتأكد شكوكها ويعود الماضي بكل أوزاره لقطعت بنفسها الشارع الذي يفصلهما وذهبت لتسأله من هو وماذا يفعل بتعقبه لها.
هزت رأسها برفض،
لن تفعل… لن تفتح بيدها بوابات الماضي حتى وإن أصر على العودة.
رواء سبق وسارت ذلك الطريق وانتهى بكارثة قلبت حياتهم وتغيرت شقيقتها من بعدها.
تنهدت بحرارة وأشاحت وجهها لتركز على ما بيدها لكنها سرعان ما عادت ترفعهما نحوه، وهذه المرة انتفض قلبها حرفيًا بين ضلوعها.
اتسعت عيناها وهي تراه يتحرك خطوتين كأنما ينوي على قطع الطريق إليها أخيرًا.
"لا، لا تفعل"
توسل عقلها بذعر وفعل قلبها العكس.
لم تعرف إن كانت عيناها فضحتا توسلها، لم تعرف حتى إن كان قد رأى نظراتها لأنه سرعان ما توقف وعدل عن قراره، عاد إلى سيارته واستقلها لينطلق بعيدًا وزفرت هي بارتياح ناقضه شعور قلبها بأسى عميق.
"جيد أنه ذهب"
همست لنفسها وتجاهلت نبرة المرارة التي التقطتها أذناها بينما تعود لتلتقط باقة الزهور مقررة التركيز على عملها وسرعان ما انشغلت مع قدوم مساعدتها وتوالي الزبائن.
كان اليوم مزدحمًا لكنها كانت ممتنة لأنه منحها الفرصة لتنسى ما حدث.
مر الوقت سريعًا وحين كانت تنهي آخر باقة في يدها وتمنحها لصاحبها بابتسامة رقيقة بهتت فور خروجه بينما تمني نفسها بعودة سريعة للبيت تختلي فيها بنفسها.
رنين الأجراس المعلقة أجهض أمنيتها، رفعت عينيها ظنًا منها أنه زبون جديد لكنها ابتسمت بسعادة حين رأت صديقتها المقربة.
"راندا! لم تقولي أنكِ آتية"
بادلتها عناقها بقوة
"اتصلت بكِ لكن هاتفكِ كان مغلقًا واتصلت بالبيت فأخبرتني والدتكِ أنّكِ هنا، كيف حالكِ اليوم؟"
سألتها وهي تبتعد لترمقها بحنان فتنهدت سمراء بحرارة
"حمدًا لله، ما دام أبي أصبح بخير فأنا بخير"
تأملتها راندا لثوان ثم قالت
"لم أضغط عليكِ الأيام السابقة فحالتكِ لم تكن تسمح، اليوم سنتحدث معًا وستخبرينني بكل ما يضايقكِ"
أطرقت دون رد فربتت راندا على كتفها
"ليست المشكلة فقط مرض أبيكِ، صحيح؟ أشعر أنّ هناك شيء آخر، لماذا لا تخبرينني ما الأمر؟"
تنفست بعمق قبل أن تنظر لها وتنهدت باستسلام
"حسنًا، لنذهب لأي مكان ونتحدث. ربما أكون في حاجة للتحدث لأتخلص من ذلك الهم الذي يملأ قلبي"
والتفتت إلى مساعدتها الواقفة على مقربة
"سارة، آسفة لكن سأضطر لترككِ هذه الساعة"
"لا بأس، استمتعا بوقتكما"
قالتها ولوحت لراندا التي بادلتها الابتسامة قبل أن تغادرا لتشير راندا لسيارة أجرة
"هيا سآخذكِ لمكان جميل سيملأكِ بالراحة النفسية وبعدها نذهب لزيارة والدكِ، اتفقنا؟"
استرخت في مقعدها بينما راندا تخبر السائق وجهتهما ورغمًا عنها عاد عقلها يشرد إلى زائرها وقبل أن تطرده تدخلت راندا لتسحبها بحديثها.
كانت آخر شخص يمكنه أن ينصح صديقتها في مشكلتها مع زوجها، صديقتها العنيدة التي ما زالت تحارب مشاعرها نحوه كأن حياتها تتوقف على هذا.
ربما لم تعرف راندا لسنوات طويلة لكنها دائمًا تشعر أنها صديقتها منذ الطفولة ورغم كل حبها لها أحيانًا تشعر برغبة في ضربها على رأسها بقوة لعلها تستفيق قبل أن تخسر هشام، لكن ليس بيدها سوى أن تنصحها وتعمل ما بوسعها لتجعلها ترى الحقيقة الواضحة كالشمس.
لكن من قال أن الحب بهذه السهولة؟
آه، ها هي تعود لتلك النقطة التي تتهرب منها.
من قال أصلًا أن ما شعرته سابقًا كان حبًا؟
أيًا كان، فلتتركه يرقد بسلام في الماضي وتركز على ما ينتظرها في الواقع؛
تعب أبيها، مشاكلهم مع عائلته ومخاوفها من نوايا جدها، ابن عمها الذي اقتحم حياتهم فجأة ليقلبها، قرار زواجه منها، الملفوف حول رقبتها كحبل مشنقة تخشى كل لحظة أن يطبق عليها فيزهق أنفاسها.
لتركز على كل هذا أفضل لها.
وهذا ما فعلته بينما تصارح راندا بكل شيء وتشاركها مخاوفها، ارتاحت إلى حد ما عندما باحت لها بكل ما يؤرقها وحين انتهت جلستهما في ذلك النادي المطل على النيل وغادرتا كانت تشعر أنها في حال أفضل.
أكملتا كلامهما بينما تتمشيان على الكورنيش، ابتسمت بسعادة وهي تتنفس بعمق وتغمض مستمتعة بمداعبة النسيم لوجهها قبل أن تلتفت لراندا فتجدها شاردة بتعبير أقلقها
"ما الأمر؟ فيما شردتِ فجأة؟"
"لا شيء، تذكرت شيئًا ما"
رمقتها سمراء بتوجس ثم قالت بمرح لتخرجها من حالتها
"مؤكد شردتِ في زوجكِ الوسيم"
احمر وجه راندا ورمقتها بغيظ
"سخيفة"
ضحكت ضاربة كفيها
"عشت ورأيتكِ واقعة في الحب يا راندا هاشمي، من كان يتخيل؟"
ازداد احمرار وجهها وابتسمت برقة لتواصل سمراء بحنان
"لا فرق الله بينكما أبدًا"
صوت مميز لفت انتباهها فالتفتت تبحث عنه بترقب، لتلمع عيناها وصفقت بجزل
"غزل بنات… هذا الرجل هناك يبيع غزل بنات، تعالي لنشتري"
هزت راندا رأسها ضاحكة
"لن تتغيري أبدًا، ما زلتِ تضعفين أمام غزل البنات"
فتحت حقيبتها تخرج بعض النقود وألقت الحقيبة لها هاتفة بسعادة
"انتظري هنا يا رورو، سأشتري بعضها وأعود بسرعة"
قطعت الطريق مسرعة نحو البائع وقلبها الخائن عاد يذكرها بالسبب الحقيقي لتمسكها بحبها لغزل البنات كل هذه السنين.
أنكرت سريعًا لكن صوت خائن من أعماق ذكرياتها تردد
"غيمة السكر"
لا، لا تتذكري ذلك.
أمرت نفسها بحزم قبل أن يقاطع تشتتها بائع الحلوى وهو يناولها ما طلبته، شكرته مبتسمة وتحركت عائدة إلى راندا محملة بكنزها الثمين، وضحكة رقراقة…
لم تكتمل،
ككل شيء في هذه الحياة.
نزلت الرصيف بسرعة، ثوان من عدم الانتباه كانت كافية لتنقلب الدنيا، كانت في منتصف الشارع حين ظهرت تلك السيارة فجأة مندفعة نحوها.
صرخة راندا المرتعبة لم تنتزعها من تجمدها بينما تتذكر حادثها القديم، تجمدت بشلل وذكرياتها كلها تنهمر كطوفان، انتهى مكتسحًا إياها، وصدمة عنيفة ترج جسدها.
لم تجد الوقت لتتأمل أو تدرك ما أصابها بينما تطير لتسقط فوق الرصيف وحولها أكياس حلوى غزل البنات الملونة.
دارت الدنيا وحل الظلام مهددًا بابتلاعها بينما تصلها صرخات راندا الملتاعة، شعرت بيدها تلامسها بينما تتوسلها بلوعة أن تفتح عينيها وتجيبها.
فتحت عينيها بصعوبة تنظر لصديقتها المنهارة وهمست اسمها ثم عادت تغمض
"أنا بخير، اطمئني"
لم تغادر همستها شفتيها، صراخ راندا يرتفع أكثر
"أنا بخير"
لم تكن كذلك، روحها كانت تنسحب ببطء ووعيها ينزلق إلى الظلام ومن أعماقها ترددت أمنية خائنة.
إن كانت سترحل، ليتها تراه مرة أخرى.
مرة أخيرة.
ترددت أمنيتها بينما تفتح عينيها في تلك اللحظة مع الصوت الرجولي الذي قاطع صراخ راندا يأمرها بالابتعاد، أبصرت وجهه عبر بصرها المشوش.
ذلك الوجه! تلك الملامح! إنه هو، صحيح؟
هل عاد مرة أخرى؟
اسمه تردد في عقلها وتحركت شفتاها تريدان الهمس به لكنها عجزت وقبل أن تغيب شعرت بنفسها محمولة بين ذراعيه قبل أن يظلم كل شيء.
***************
النبذ!
أحرف قليلة وشعور بعمق هاوية سحيقة.
هاوية ابتلعتها منذ طفولتها وليتها تجد القدرة على التأقلم معها، ليتها ترضى بأن قدرها أن يكون النبذ رفيقها الأبدي.
النبذ من الجميع،
وأولهم والداها.
بالأخص ذلك الراقد على فراشه منذ سنوات، كل ما فيه صامت عدا عينيه، كانتا كعادتهما عاصفتين بمشاعر حفظتها…
كراهية… رفض… نفور
لا تذكر أنها رأت يومًا سواهم في نظراته لها.
واجهت نظراته بجمود، تُحكِم حصونها الجليدية حول قلبها، تخبره بنظراتها الباردة أنها لم تعد تتأثر بنبذه وكراهيته.
"تارا هانم"
انتزعتها الممرضة من أفكارها فالتفتت إليها بتساؤل، سمعتها بتشتت تطمئنها عليه ووقفت بعدها صامتة كأنما تنتظر أوامرها، تنهدت تارا وقالت وهي تلقي نظرة أخيرة على والدها
"سأكون في غرفتي إن حدث أي شيء"
غادرت متجهة إلى غرفة نومها وعيناها تمران على أركان فيلا والديها بجمود، لا تعرف أيهما تكره أكثر، هذه الفيلا أم سراي المنصوري؟
عندما تكون هنا تشعر أن هذا أكثر مكان تكرهه رغم كل السنوات التي عاشتها بين جدرانه لكن ما أن تعود إلى هناك حتى تعتقد أنها لم تكره مكانًا أكثر من السراي.
ماذا يفعل المرء أصلًا إن كان مجبرًا على الانتماء لمكانين يكرههما من قلبه؟ إن كان لا يمتلك فرصة للحرية ليختار مكانًا يحبه؟
النبذ!
مجددًا ذلك الشعور الرفيق،
حتى الأماكن تنبذها.
تنهدت بحرارة وهي تغلق باب غرفتها وكعادتها كلما أتت للزيارة تحاشت النظر إلى أركان غرفتها،
بالأخص فراشها.
مرارة ارتفعت من قلبها إلى حلقها بينما تلمح انعكاسه في المرآة، سرعان ما أشاحت بصرها وأغلقت ذكرياتها المظلمة لتتجه إلى الشرفة. أطلت عبرها تنظر للخارج قبل أن تنتبه للضحكات الرقراقة بالأسفل فمالت لترى نسمة الحرية الوحيدة بحياتها.
لي لي!
صغيرتها، كانت تجري وسط زهور الحديقة، ترافقها الخادمة الوحيدة التي تشعر أنها تشفق عليها في هذا المكان، لولا الحاجز الذي تجيد وضعه بينها وبين الجميع لصادقتها.
تأملت ابنتها لبرهة وعندما اطمأنت عليها عادت إلى غرفتها، لم تجد الفرصة لتجلس على الأريكة وترتاح قليلًا حين هبت العاصفة بدخول أمها.
"لماذا أتيتِ؟"
رفعت حاجبًا ساخرًا وهي تنظر لأمها بملابسها العملية الأنيقة، لا يبدو عليها أبدًا أنها أم لشابة تقترب من الثلاثين وجدة لحفيدة أيضًا.
"حمدًا لله على السلامة يا يسرا هانم، أرجو أن يومك في الشركة كان مثمرًا"
تمتمت بتهكم قبل أن تتجاهلها وتلتقط إحدى المجلات لتقلبها ببرود تعرف كم يستفز أمها
"سألتكِ لماذا أتيتِ، هل تشاجرتِ مع أسامة وتركتِ السراي؟"
قلبت الصفحات لثوان بهدوء أكثر استفزازًا قبل أن ترد بابتسامة باردة
"اطمئني، لم أتشاجر ولم أترك السراي… أسامة مسافر في عمل وسيعود في الغد فقلت في نفسي لماذا لا أقوم بواجبي كابنة بارة وأزوركم؟"
"هل تسخرين مني؟"
سألتها بحدة فرفعت حاجبيها ببراءة ساخرة
"أنا؟ حاشا لله يا يسرا هانم… عرفت بالصدفة أن حالة أبي ساءت قبل أيام وأنتِ لم تكلفي نفسك عناء إخباري لذا جئت لأطمئن عليه بنفسي"
بادلتها النظرات دون أن يطرف لها رمش رغم حدة نظرات أمها الساخطة والتي تخصرت بعد لحظات قائلة
"والدكِ بخير، كما ترين لم يمت… لماذا لا تعودين إلى السراي؟"
ابتسمت لها بسماجة
"هل تطردينني من بيت أبي؟"
وقاطعتها قبل أن تهدر فيها أنه بيتها هي، لتقول ببرود
"لا تقلقي، سأعود غدًا… أعرف أنّكِ خائفة من عودتي إلى هنا للأبد"
"لمصلحتكِ ألا تفعلي"
أمرتها بقسوة اعتادتها تارا، ربما ما زالت تؤلمها وربما لم تعد، في هذه اللحظة لا يمكنها أن تحدد، الآن لديها رغبة عارمة في حرق أعصاب أمها.
معرفتها بنواياها بالتأكيد كفيل بهذا.
"لماذا؟ هل عودتي ثقيلة عليكِ لهذا الحد؟ هل تخشين عليّ من لقب مطلقة مثلًا؟"
فتحت أمها شفتيها لكنها كتمت كلماتها الغاضبة وهي تردف بتحد متوار
"عن نفسي لا أخشى هذا، في الواقع… قريبًا سأخبر أسامة أنني أريد الانفصال و…"
لم تسمح لها أمها بإكمال كلامها وهي تتخلى عن قناع رُقيها وتندفع إليها هاتفة
"تريدين ماذا؟ هل جُننتِ؟"
"لم أفعل بعد… هذا القرار تأجل كثيرًا إن أردتِ الصدق… أنا أنتظر لأرتب أموري قبل أن…"
"ومن سيسمح لكِ، هه؟"
هتفت بها أمها في وحشية قبل أن تنتزعها من مكانها، سقطت المجلة بينما وقفت تارا جامدة وأمها تهزها بغضب
"انسي هذا الهراء تمامًا، أنتِ لن تطلبي الطلاق يا تارا… ستنسين هذه الكلمة تمامًا وإلا لن أرحمكِ"
واجهتها بنظرات هادئة
"ليس من حقكِ أو حق غيركِ منعي من هذا إن أردته"
نظرات أمها اسودت أكثر وظلت هكذا لثوان قبل أن تنفضها بقوة وتتراجع مبتعدة عنها خطوة، تأملتها باستخفاف وانتقاص قبل أن تخبرها
"كم مرة ستثبتين لي أنّكِ فاشلة؟"
كم مرة ستسمع هي نفس الكلمات وتواجه نفس النظرات؟
استمعت لها بجمود بينما أمها تواصل طعناتها القاسية
"طلبكِ الطلاق تعني استسلامكِ واعترافكِ أنكِ فاشلة، فشلتِ كابنة وفشلتِ كامرأة… انظري لنفسكِ، هل يراكِ أسامة طوال الوقت هكذا؟ له حق أن يمل منكِ ويهجركِ"
لم تسمح للمحة واحدة أن تخونها بينما أمها تواصل آمرة بصرامة
"لن أنتظر حتى يفيض به ويطلقكِ، ستسمعين كلامي هذه المرة وإلا لا تلومي إلا نفسكِ يا تارا… ستعودين للسراي وستتصرفين كامرأة، لن أعلمكِ كيف تستميلين زوجكِ… لمرة واحدة تصرفي كامرأة واستخدمي أنوثتك"
المرارة والغثيان ارتفعا إلى حد خطر وكلماتها تعيدها لذكرى سوداء تمقتها وتحتقرها، كادت تترنح، أو أسوأ، تفرغ كل هذا في وجه أمها.
تنفست بعمق لتتمالك نفسها ورددت بجمود
"أعتقد أنّكِ تعبتِ كثيرًا في العمل اليوم وربما تحتاجين لترتاحي في غرفتكِ… احتمليني أنا وابنتي حتى الغد وسأحاول قدر الإمكان ألا أزعجكِ برؤيتي طوال وجودي هنا"
رمقتها أمها مطولًا بقسوة قبل أن تعطيها ظهرها وتغادر، حين وصلت للباب توقفت لحظة واستدارت لها
"لا تنسي دعوة أسامة للحفل، ستكون الصحافة موجودة ولا أريد أن يتساءل أحد عن غياب زوجكِ أو تُثار أي شائعات بشأنكما، على الأقل حافظي على صورتكما الاجتماعية"
"بالطبع"
تمتمت ساخرة فرمقتها أمها بقسوة ثم غادرت صافعة الباب بقوة، ظلت تارا مكانها لبرهة تحدق في الباب المغلق قبل أن تعود لمكانها على الأريكة، انحنت تلتقط المجلة وعادت تفتحها وتقلب صفحاتها في صمت.
صمت كان أشبه بذلك الذي يسبق العواصف،
لكنها لم تكن مدركة لذلك بعد.
********************
"ملف المنصوري؟"
رددت رواء الكلمتين بصعوبة بينما تغلق باب مكتب هشام، وتتحرك ببطء إلى مكتبها فتستند إليه بشحوب.
مؤكد أنها أخطأت السمع، لا بد أن هشام قال شيئًا آخر أو ربما هو مجرد تشابه أسماء، بالتأكيد هي شركة مختلفة.
لن يكون حظها سيئًا لهذه الدرجة.
لم تجد فرصة لالتقاط أنفاسها حين رأت هشام يندفع من مكتبه بطريقة مقلقة
"رواء، عليّ الذهاب حالًا. اتصلي بسالم بك وأبلغيه اعتذاري"
هتفت بقلق
"ماذا حدث؟"
"خيرًا إن شاء الله"
قال باقتضاب وغادر تتبعه أنظارها بقلق قبل أن تلتفت إلى مكتبها وتحركت تبحث بين الملفات بيد مرتجفة. هل يدري هشام أي قنبلة رماها بها لتوه؟
هذه المرة سمعته بوضوح… قال سالم!
لا، مؤكد اختلط عليها الأمر، فكرت وهي تبحث عن الملف ويدها تزداد ارتعاشًا والأخرى تلمس قلبها محاولة التخفيف من نبضاته التي توقفت وعيناها تقعان على الملف.
كيف؟ كيف تقاطع طريقها معهم مرة أخرى؟ ألم تهرب بأسرتها بعيدًا عنهم؟
ابتسمت بسخرية مريرة، كيف فكرت أنّها ستهرب للأبد؟
أغمضت عينيها وتراجعت لتسقط على مقعدها، لم تهرب إلى أبعد من هنا ولا كان هناك مجال لتعود إلى عائلة أبيها.
انتفضت على رنين هاتفها فالتقطته بتوتر، أجابت فور رؤيتها لاسم المتصل
"طيف، ماذا..."
بكاء طيف وصلها لتقفز صورة أبيها أمام عينيها لكنّ كلمات طيف أوقفت قلبها تمامًا
"رواء، سمـ سمراء في المشفى. قالوا أنّها... أنّ سيارة صدمتها"
ارتجف جسدها بقوة وطيف تنهار باكية
"اهدأي يا طيف أنا قادمة. أين أنتِ؟ هل عرفت أمي؟"
ردت طيف بتقطع
"أمي معي ونحن في طريقنا لمشفى (...) تعالي بسرعة أرجوكِ أنا خائفة"
أسرعت تلتقط حقيبتها مرددة بارتجاف
"أنا قادمة حالًا، اهتمي بأمي"
ودعتها وأسرعت تغلق المكتب وتغادر الشركة بسرعة قافزة في أول سيارة توقفت لها.
وصلت إلى المشفى بأعصاب تكاد تنهار في كل خطوة تقترب من غرفة العمليات التي عرفتها من موظفة الاستقبال، حين اقتربت التقطت عيناها المرتعبتان أمها وشقيقتها وهشام أيضًا!
اقتربت بسرعة بينما تنتبه أخيرًا للشاب الذي انتفضت طيف هاتفة في وجهه
"أنت... أنت من صدم شقيقتي؟"
رأته ينظر لأمها باعتذار وندم مرددًا
"أنا آسف، أفسم لكِ لم أقصد. كل شيء حدث بسرعة وهي ظهرت في طريقي فجأة، أقسم أنني لم أتعمد ما حصل وأنا مستعد لأي شيء تطلبونه"
أخيرًا وجد انفعالها منفذًا له بينما شعورها بالغضب يحل محل رعبها السابق
"وبماذا سيفيد أسفك أو تعويضك؟"
التفت أربعتهم إليها لتندفع بخطوات حادة وعيناها تصبان حمم غضبها على الشاب الذي رمقها بتساؤل. اقتربت منهم ورغبة واضحة في قتله ترتسم في عينيها
تدخل هشام برفق
"رواء، الحادث لم يكن متعمدًا، وهو تصرف كشخص مسؤول ولم يهرب. لولا أنّه أحضر سمراء بسرعة لكانت"
لم تهتم لكلماته بينما تقف مباشرة أمام الشاب وعيناها التقطتا مظاهر الترف الواضحة عليه، فلوت شفتيها بازدراء
"أنا واثقة أنّه كان يقود بتهور ولا مبالة كعادة أمثاله ولولا هذا لاستطاع تفادي شقيقتي المسكينة"
تدخلت أمها برفق
"اهدأي يا رواء، الشاب قال أنّه لم
"لا يا أمي، أنا أعرف هذه الأشكال جيدًا... واضح أنّه طفلٌ مدلل لعائلة ثرية يعتقد أنّ بإمكانه اللعب بأرواح البشر دون أن يحاسبه أحد... هؤلاء الأثرياء يرون الآخرين مجرد حشرات لا أكثر"
كانت تحاول جاهدة أن تسيطر على نفسها لكن شيئًا فيه كان يستفزها بعنف، شعرت بأمها تلامس كتفها
"لا يصح ما تفعلين يا رواء... أنتِ لم تسألي عن حال سمراء وهو لم"
التفتت لها هاتفة باستنكار
"سمراء في خطر بسببه يا أمي"
وعادت تلتفت إليه ترمقه بازدراء بينما قلبها يختنق وملامحه المألوفة تدفع مزيدًا من نار الكراهية والحقد في عروقها
"أقسم لو أصاب شقيقتي مكروه سأجعلك تتمنى الموت... لن أكون رواء العزايزي إن لم أجعلك تدفع الثمن"
تراجع بحدة وذهول انقلب إلى ضيق وعداوة شديدة لم تعبأ لمعرفة أسبابها بينما تستمر في توعدها لتقترب إحدى الممرضات بسرعة
"رجاءً الهدوء... هناك مرضى"
"ابنتي في الداخل... طمئنينا عليها"
أخبرتها بهدوء
"الأطباء يقومون باللازم لا تقلقوا"
قالتها وابتعدت لتقبض رواء على كفها بقوة وعاودها غضبها فالتفتت إليه لتجده مطرق الرأس بندم واضح أعاد لذاكرتها صورة ترفض استعادتها. صورت دفعتها لتهتف بغل ونار عنيفة تحرقها بجنون
"ادع الله أن تنجو شقيقتي وإلا لن أرحمك"
********************
مرة أخرى!
مجددًا يهزمه اشتياقه، مرة أخرى تشتد هجمة الذكريات فتجعله يتوهم.
حتى متى؟ هل سيظل خيالها يطارده طوال الوقت؟
كان يخدع نفسه لسنوات ويدعي القوة، يدعي النسيان بينما هو لم يفعل.
كانت حية في داخله كل لحظة وها هو الدليل، منذ عاد وهو يتوهم رؤيتها في كل مكان.
هذه المرة رقم كم؟
"توقف يا سالم، عد لرُشدك يا رجل"
همس لنفسه وعيناه تتابعان السيارة التي تبتعد
"ليست هي... توقف عما تفعله بنفسك"
ترك سيارته واتجه إلى الشركة التي غادرتها لتوها وحيث كان اجتماعه...
ماذا لو كانت هي حقًا؟ لكن متى ارتدت الحجاب؟
ابتسم بمرارة... ﻻبد أن زوجها غار عليها وأمرها أن تخفي شعرها الفاتن، شلال ليل أسود طويل كلياليه من بعدها.
عادت تلك الغيرة تنهش قلبه فقاومها بقوة مماثلة وتابع طريقه مقررًا حسم شكوكه بسؤال رجل أمن الشركة عنها.
تجاهل رنين هاتفه الذي يصر على تشتيته قبل أن يستسلم ويلتقطه ليجيب... طرد دهشته لرؤية اسم شقيقه الأصغر وأجابه
"مرحبًا يا يوسف"
أتاه صوته متوترًا
"مرحبًا يا سالم... آسف لو أزعجتك، أنا... أعرف أنّك لا... ﻻ أريد أن أشغلك بمشاكلي و"
"يوسف"
ردد بضيق فأسرع شقيقه يردد
"حاولت الاتصال بأسامة لكنّه لا يرد ولم ... ﻻ أريد أن يصل الخبر لجدي ولم أجد سواك لذا"
تنهد بضيق وقد آلمه أن تصل الأمور بينه وبين أشقائه لهذه المرحلة، كيف سمح لنفسه بالابتعاد عنهم لهذه الدرجة؟
"يوسف أنا لست غاضبًا... أخبرني، ما الأمر؟"
صمت شقيقه لحظة ثم تمتم برجاء
"أنا واقع في مشكلة كبيرة يا أخي... أحتاجك بشدة"
جملته الأخيرة كانت كافيه ليرمي سالم كل تفكير آخر ويسرع إليه... ألقى نظرة أخيرة على مبنى الشركة ورحل واعدًا نفسه بالعودة لأجلها، وليرحمه الله إن كانت شكوكه صحيحة.
***
قاد مسرعًا إلى المشفى التي ينتظره فيها يوسف وسأل في الاستعلامات سريعًا ليتجه بعدها وعيناه تبحثان عنه بقلق.
الراحة اللحظية التي شعرها لرؤيته سالمًا تبخرت مع استيعابه للمشهد القريب، كان يوسف يتحدث بانفعال أو تقريبًا يتشاجر مع فتاة تعطيه ظهرها وبالقرب سيدة تحاول التدخل بينهما وقد بدت له مألوفة بشدة... لدرجة جعلت قلبه ينقبض بتوجس وألم غير مفهوم.
انتبه بدهشة لوجود هشام، ألم يكن في انتظاره بالشركة من أجل اجتماعهما؟ لماذا هو هنا؟ أسرع بخطاه إليهم ليسمعها تهتف في شقيقه بغل
"ادع الله أن تنجو شقيقتي وإلا لن أرحمك"
رأى العداوة في عينيّ شقيقه بينما يهدر فيها بانفعال
"اسمعي، أنا مقدر لحالتكِ النفسية وقلقكِ على شقيقتكِ وإلا كنت جعلتكِ تبتلعين كلامكِ هذا"
هتف هشام بلوم
"يوسف"
كان على بعد خطوة حين رفعت الغاضبة يدها تنوي صفع شقيقه ولم ينتظر هو لتفعل، في اللحظة التالية كان يقبض على معصمها.
هتف يوسف اسمه براحة، والتفتت هي إليه بغضب والتقت أعينهما، في ثانية توقف الزمن وتوقف العالم كله، لكن أعماقه لم تكن كذلك، كانت كلها ترتجف وعيناه دارتا على كل خلية منها بذهول.
قلبه يتوسل، ليتها لا تكون حلمًا، ليته لا يستيقظ ليجدها كانت سرابًا ووهمًا جديدًا.
لا، هي هنا حقًا، هي حقيقة كأوضح ما تكون الحقائق...
إنّها هي... هاتان عيناها، أنفها، فمها... ملامحها الحبيبة التي لم تغادر ذاكرته يومًا، إنّها هي كما يتذكرها…
فقط ليلُها الأسود الطويل صار بعيدًا عن عينيه العاشقتين خلف حجابها.
تنفس بصعوبة وهو يرى وجهها يزداد شحوبًا وشفتاها الباهتتان ترتجفان
"سالم"
بألم وذهول، برنة رفض واضحة كأنّها تتمنى ألا يكون هنا حقًا.
في لحظة كانت تغمض عينيها وارتخى جسدها لتسقط فاقدة الوعي، تلقاها بين ذراعيه اللتين التفتا حولها بحماية وتملك غافلا عنهم جميعًا بينما يضمها إلى صدره باشتياق وعطش سنين طويلة.
خُيل إليه أنّه يسمع صوت تكسر داخله... كانت هذه لا شك أصوات السلاسل الجليدية التي أحاطت قلبه لسنوات وجمدته حتى ظنه مات للأبد... إن كان مات حقًا فمن الذي ينبض بصخب تحت رأسها؟ من الذي يرتجف دون رحمة وقد تحررت نبضاته؟ قلبه الذي ذاب بمجرد شعوره بها بين ذراعيه... قلبه الذي عاد أخيرًا للحياة بعودتها.
*************
الخذلان!
هل يحق لها أن تشعر بهذه الكلمة؟ ألم تكن هي أول من جنت على نفسها؟ لماذا تشعر الآن بالخذلان؟
لوقتٍ طويل ظلت جالسة مكانها تحدق في الباب الذي أغلقه خلفه بعنف رج الجدران، لا تصدق حتى اللحظة ما فعله.
"إن غادرت الآن لن تعود لتجدني يا يوسف"
حتى صراخها المهدد لم يجعله يتوقف، اكتفى بالنظر إليها بنظرات لم تفهمها في لحظات انفعالها قبل أن يقول ببرود
"افعلي ما تريدين يا جايدا"
واختفى تاركًا إياها في صدمة كلماته ورد فعله.
للحظات طويلة ظلت واقفة حتى بدأت تشعر أن جدران الشقة تقترب منها لتضيق الخناق خلفها وبرد غريب بدأ يجتاح خلاياها، ضمت جسدها بذراعيها بينما تسقط على ركبتيها والدموع تشوش عينيها.
نزوة!
هي مجرد نزوة في حياة يوسف المنصوري ولا أحد تلومه سوى نفسها.
ظلت عيناها على الباب تترقب عودته في أي لحظة، قلبه سيشعر بها وسيلومه على ما فعله وسيجعله يعود إليها ليحتويها بين ذراعيه ويخبرها أن كل شيء سيكون بخير، أنّه سيفي بوعوده لها،
سيخبرها أنّها لم تكن مجرد نزوة بحياته يخفيها كأنها عار ولا يجرؤ على مواجهة جده لأجلها، سيؤكد لها أنّها لم تخطئ حين اتخذت قرارها واختارته هو.
لوهلة كادت تستجيب لصوت عقلها وتنهض لتنفذ تهديدها فتجمع حقائبها وترحل عنه للأبد لكنّها سرعان ما استسلمت بخذلان.
هذه المرة الخذلان والخجل كان تجاه نفسها هي.
إلى أين ستعود وبأي وجه؟
وكيف تعود وهي لم تكمل ما أتت إليه؟
عقلها انسحب للوراء يراجع شريطًا طويلًا من الأحداث لتفكر في مرارة،
لماذا كانت غبية واستسلمت لفضولها؟ لماذا تمردت؟
ها هي تدفع الآن ثمن الفضول والتمرد،
تمرد جعلها تهرب من جدران الحماية التي فرضها بهاء حولها لدرجة خانقة،
وفضول سرعان ما تحول إلى انجذاب ثم انتهى إلى تعلق وهوس.
تلك اللعنة التي أخبرها عنها يوسف ذات يوم،
اللعنة التي سخر منها بهاء قديمًا،
هل هي حقيقية؟ هل هي سبب ما شعرته مع يوسف وما وصلت إليه الآن؟
ضحكت بمرارة من بين دموعها، الآن ستؤمن بهذه السخافات؟ هل ستعلق خطأها الفادح على شماعة لا منطقية أصلًا؟
لماذا لا تُقر بخطاياها ببساطة وتحاول لملمة ما تبقى منها؟ هل فات الأوان؟
ربما عليها حقًا أن تنفذ تهديدها، هل سيندم إن عاد ولم يجدها؟ هل سيحاول اللحاق بها ليمنعها من الرحيل كالمرة السابقة؟
لا تظن، تريد أن تخاطر لتعرف إجابة سؤالها لكنها خائفة،
الخوف!
يبدو أنّه هو الآخر سيظل رفيقها لوقت طويل،
خوف من أن تفشل في الهدف الذي دفعها لتقترب من يوسف منذ البداية، خوف من أن يكتشف يوسف الحقيقة قبل أن تعترف له بها، خوف من أن تكتشف هي حقيقة أنها بالفعل مجرد نزوة وقصتها معه انتهت إلى هنا.
لن تعرف حتى يعود إليها،
هذا إن عاد أساسًا.
****************
أخذ سالم نفسًا مرتجفًا وهو يفتح باب الغرفة التي ترقد فيها رواء، دخل بخطوات متثاقلة وقلبٍ يرتجف... قلقًا وأملًا واشتياقًا. لم يعرف كيف احتمل كل الوقت الذي فصله عنها منذ أخذوها منه وتخلى عنها مرغمًا.
تنفس بصعوبة وهو يقترب من فراشها ونبض قلبه بعنف وهو يرى جسدها على بعد خطوات قليلة منه. اختلجت أنفاسه وهو يقطع الخطوات الفاصلة بينهما ليقف أمامها وعيناه عادتا لتنهلا من ملامحها الحبيبة.
كيف جمعهما القدر بعد كل هذه السنين؟ وبأي طريقة؟
قديمًا هو جرحها وجده دمر أسرتها بسببه واليوم شقيقتها بين الحياة والموت بسبب شقيقه، أي قدرٍ هذا الذي يجمعهما؟ أي وجع؟
تنهد بحرارة وهو يميل نحوها غير قادرٍ على منع عينيه عن التعلق بها ولا قلبه عن مغادرة صدره ليعانقها ويقبل كل خلية منها. غامت عيناه وهو يجلس على حافة الفراش وخانته تنهيدة شوق وابتسم بحنين وعيناه تتابعان آثار السنين التي فرقتهما،
سنوات حولتها من الفتاة ذات الثامنة عشر ربيعًا التي عشقها إلى امرأة ناضجة تسلب القلوب... ملامحها الجميلة تحولت إلى جمر مشتعل تساقط على قلبه المشتاق بجنون لم يتخيله.
رفع يدًا مرتجفة نحو وجهها كأنّما ليمسح التعب عنه ليتوقف فجأة متذكرًا أنّ حاجزًا وُضِع بينهما وحرّم عليه حقه فيها. انحدرت عيناه بسرعة إلى كفها اليسرى والغيرة التي مزقته قديمًا عادت تفتك بقلبه الذي اهتز حين لمح أصابعها الخالية.
رفع رأسه بحدة ينظر إليها بصدمة وأمل حاول طرده، لا يريد التعلق بأمل زائف... لن يحتمل نفس الطعنة مرتين…
ربما هي فقط لا ترتدي خاتمها لكن... أين هو زوجها؟ لماذا ليس معها هي وأسرتها؟ لم يأت أحد على ذكره حتى، إذن ربما انفصلا فعلًا...
رحماك يا رب... رحماك من هذا الألم الذي يشق الضلوع... رحماك من أمل يغرس بالقلب ثم يُنتزع انتزاعًا ويقتله بعد ميلاد جديد.
مد يده المرتجفة ليمسك كفها واحتضنه بقوة، أغمض عينيه يستعيد كل ذكرياتهما معًا في تلك الفترة القصيرة التي سرقاها من الزمن وتحشرجت أنفاسه وهو يرفع كفها ليطبع قبلة على راحتها ويهمس بعشق وألم
"لو تعلمين كيف صارت حياتي من بعدكِ؟ لو تعرفين مبلغ عطشي منذ رحلتِ عني يا روا القلب؟ آه يا روايا... ماذا فعلنا ببعضنا يا حبيبتي؟ ماذا فعلنا؟"
قبّل راحتها بعمق ودفن وجهه فيها متابعًا بحرقة
"هل تعذبتِ في بعدي؟ هل بكيتِ اشتياقًا لي في أي يوم أم أنّ ذلك الرجل انتزعني من داخلكِ؟ هل كنتِ صادقة حين قلتِ أنّكِ تكرهينني؟ أخبريني يا روايا... هل نسيتِني حقًا؟ هل لعنتِني كل يومٍ كما أقسمتِ لي تلك الليلة؟ هل"
ماتت الكلمات على شفتيه حين توقفت عيناه على معصمها واتسعتا بذهول وهو يرى أثرًا لجرح قديم على دورانه. سرت بجسده قشعريرة باردة وهو ينظر إليها قبل أن يمسك كفها
الآخر ويتفحص معصمها.
أغمض عينيه متأوهًا بوجع ليردد بعدها ضامًا كفها إلى قلبه النازف
"لا تقولي أنّكِ فعلتِها يا رواء... لا تقولي أنّكِ حاولتِ قتل نفسكِ... أنتِ لن تفعليها"
انحدرت دمعتان محرقتان على خديه وهو يتخيلها تقطع شرايينها ثم تنزف حتى الموت وهو بعيد عنها، غارق في مرارة حرمانه منها للأبد. رواء لم تكن ضعيفة لتُقدم على أمر بشع كالانتحار.
هل دمرها إلى هذه الدرجة؟
تنفس بمرارة وذاكرته تعيده رغمًا عنه لليلة زفافها حين تحطم كل شيء بينهما إلى غير رجعة... عادت صورتها وهي تصرخ في وجهه بانهيار أن يبتعد عنها للأبد وأنّها ستكرهه وستظل تكرهه حتى تموت... ستظل تلعنه لآخر يوم في حياتها.
مد يده بارتجاف يلامس جرحًا آخر في رقبتها ما زال أثره هناك وانقبض قلبه وهو يتذكر تلك اللحظة التي وضعت فيها السكين على رقبتها تهدده أن يبتعد وإلا قتلت نفسها أمامه. سكينها انغرست في قلبه قبل أن تنغرس في عنقها فتنزف أمام عينيه المرتعبتين،
كانت آخر مرة يراها فيها وآخر صورة رافقته حين أقدم على غربته هاربًا قاطعًا نفسه من جذوره ومُلقيًا نفسه في جحيم أتى على روحه وقلبه.
مال يقبل جرح معصمها هامسًا بحرقة
"هل عذبتكِ لهذه الدرجة حتى تقتلي نفسكِ؟ هل أردتِ قتلي مرتين؟ هل تخيلتِ كيف ستكون حالتي لو عرفت؟"
واختنق صوته أكثر
"كنت أمني النفس أنّكِ ما زلتِ تتنفسين على هذه الأرض وهذا يكفي... كان يكفيني لأبقى على قيد الحياة، لكنّكِ كرهتِني حتى أردتِ حرماني حتى من أمل وجودكِ في نفس عالمي ومن حياة تمنحها لي أنفاسكِ من بعيد... أكرهتِني حقًا يا روايا؟"
على قدر حرقته ليرى عينيها ويسمع جوابها على قدر خشيته من أن يرى داخلهما نظرة كراهيتها التي رافقته بعد افتراقه عنها تمعن في قتله كأنّما لم يكفه أنّها صارت ملكًا لرجل آخر.
تنهد بمرارة وهو يرفع عينيه عن وجهها الشاحب إلى شعرها الذي اختفى خلف قبعة طبية رقيقة وتزايدت نبضاته وأنفاسه وهو يرفع يده بتوتر…
كان يعلم أنّه يرتكب إثمًا، كان يعرف أنّه لا يحق له أن يفعل لكنّه لم يستطع المقاومة.
قلبه يحترق رغبة في نظرة واحدة يُشبع بها عطشه إليها، إلى قربها وملامحها، يشتاق إلى كل تفاصيلها ولا يعتقد أنّ نظرة أو لمسة واحدة ستروي ظمأه المهلك.
تراجع بحدة حين انزاحت القبعة عن شعرها وارتخت أصابعه عن كفها فسقط جوارها.
لقد حصل على جوابه.
غصة رهيبة وقفت في حلقه وهو يرفع عينيه إلى خصلاتها القصيرة التي تهدلت على جبينها وبالكاد لامست جانب وجهها وعنقها في قصة صبيانية منحتها رقة شديدة. مد يده المرتجفة يتحسس بذهول شعرها الأسود وقلبه ينبض بوجع.
شعرها الطويل، ليله الأسود الطويل... شعرها الذي يعرف كم كانت تحبه وكم كان يعني لها وتعرف هي كم يعشقه... شعرها الذي حلم طويلًا أن يفترش وسادتها ويغمر وجهه بين خصلاته فيضيع للأبد. كانت تعرف كل هذا وقصته.
لا، لم تكن تقص خصلاتها الطويلة بل كانت تقتطعه هو وذكرياته، تمحوه وتتخلص من كل ما يذكرها به حتى لو كان شعرها الحبيب.
تخللت أصابعه خصلاتها في لوعة...
رواء تكرهه... تكرهه لدرجة أن تقص خصلاتها التي تحب، تكرهه لدرجة أن تحاول الانتحار.
فرصته التي اعتقد لتوه أن القدر منحه إياها انتزعها منه قبل أن يمسكها.
أبعد أصابعه التي شعر بها تحترق مثل قلبه، وأعاد قبعتها إلى رأسها ونهض ببطء ملقياً عليها نظرة أخيرة، وانحنى يقبل جبينها هامساً قبل أن يرحل بخطوات ميتة وقلب مثقل بالأوجاع
"كان يجب أن أعلم أن ذنوبي لن تغفر بهذه السهولة، وأن القدر لن يمن عليّ بفرصة جديدة. لم يرجعكِ إليّ إلا ليعذبني بكِ من جديد... وهذه المرة لا شفاء يا روايا... ﻻ شفاء ولا نجاة"
*****************
انتهى الفصل
قراءة ممتعة
شرفنا بوجودك، اشترك من هنا