المقدمة

 رقعة شطرنج..

وصمت تام يخيم على الغرفة الفسيحة، كل شيء يبدو جامدًا 

وحدها حركة الستائر الخفيفة التي تفصل الغرفة عن الشرفة المطلة على الحديقة كانت النشاز.

ذلك الهدوء منح ذهنه صفاء وتركيزًا صبه على رقعة الشطرنج بينما عيناه حادتا الذكاء تلمعان بخطورة، لثوان ظل على وضعه قبل أن يحرك أصابعه ليمسك بأحد الأحجار وينقلها لمربع آخر.

تراجع في مقعده وظل على وضعه لبرهة دون أن تفارق عيناه الأحجار، قبل أن ترتسم ابتسامة على شفتيه ويهمس وهو يحرك حجرًا آخر.

"قريبًا جدًا.. بضع حركات متقنة وسيعود كل شيء إلى مكانه الصحيح"

إن حالفه الحظ فـ…

لا، لا مكان للحظ.

ليس سالم المنصوري من يعتمد على الحظ، يجب أن يحسب كل خطوة حتى يصل إلى النتيجة التي يرجوها.

نجحت أول خطوة كما خطط وعاد حفيده… ربما اضطر إلى تغيير بعض مخططاته لكن في النهاية ستمضي الأحداث في المسار الذي يريده لها وإلى النهاية التي خططها.

لن يرضى بأقل من هذا.

 

"كما توقعت، تلعب الشطرنج مع نفسك"

 

قطع الصوت خلوته مع أفكاره، فرفع عينيه إلى صاحبه الذي تقدم نحوه تاركًا حقيبته على أريكة قريبة ثم اقترب ليجلس في المقعد المقابل له دون انتظار دعوة، تبادلا النظرات في صمت ليواصل زائره وهو يتأمله مليًا

"هذه النظرات أعرفها جيدًا… تخطط لشيء كالعادة"

هز كتفيه دون رد فمد الأول يده بعد لحظات يحرك إحدى القطع البيضاء

"من الضحية هذه المرة؟"

"لا تبالغ يا عزيز"

قالها مع رفعة حاجب فضحك رفيقه 

"أنا أبالغ؟ لا تتواضع أنت… انا أشفق على المسكين الذي تفكر فيه الآن، أخبرني من مِن رعاياك المساكين هذه المرة؟"

لم يرد واكتفى بتحريك قطعة سوداء

"هل هو سالم؟"

رمقه بنظرة غامضة فتنهد
"إذن هو… ما الذي تريده هذه المرة؟ هل تريد دفعه للهرب إلى الخارج مرة أخرى؟"

"لن يفعل… ليس هذه المرة"

أخبره بيقين فزفر صاحبه
"يا رجل توقف عن ثقتك هذه، لم تكتف من السنوات العشر التي قضاها بعيدًا، إن شعر سالم أنك تلاعبت به ليعود وما زلت تخطط لتتحكم به، هذه المرة ربما يهاجر للأبد ولا يعود مهما منحته من وعود"
"لن يحدث… هذه المرة سأتأكد من أنه لن يستطيع أن يبتعد عن السراي"

حرك عزيز سبابته على ذقنه برتابة قبل أن يحرك قطعة جديدة وهو يتمتم ساخرًا
"على أساس أنه عاد إلى السراي أصلًا منذ عودته للبلاد"

قطب بضيق وحرك إحدى قطعه مجيبًا باقتضاب واثق

"سيعود… الليلة أو غدًا سيعود إلى السراي"
ران الصمت لثوان وصاحبه يحدق فيه بريبة قبل أن يهز كتفيه

"لا أعرف ما الذي تخطط له لكن لا تقل فيما بعد أنني لم أحذرك"

بادله هزة كتف لامبالية فزفر عزيز بحنق
"لا أعرف لماذا أرهق نفسي معك؟ لولا معرفتنا الطويلة وإشفاقي على أحفادك المساكين كنت قطعت علاقتي بك وطلبت منك البحث عن طبيب آخر لعائلتك"

ابتسم ببرود وهو يحرك قطعة أخيرة ليسقط بها قطعة عزيز قائلًا بحسم

"كش ملك"

وتراجع في مقعده مبتسمًا في ظفر ليرمقه عزيز مقطبًا ثم يهز رأسه بيأس، بادله هو النظر لوهلة قبل أن يدير عينيه ينظر تجاه الشرفة وعقله يشرد إلى ما يتطلع لحدوثه بفارغ الصبر.

سيعود حفيده إلى السراي… الليلة أو غدًا.

سيعود حتمًا.

********** 



التعليقات

200

المشاهدات

30,000

الإعجابات

500

شرفنا بوجودك، اشترك من هنا

اقرأ أيضًا

غلاف قصة أو أشد قسوة
أو أشدُ قسوة

في ذاتِ نكبةٍ انحدروا كالموتِ الأسود على الأرضِ المباركة؛ فعاثوا فيها فسادًا وترويعًا. تناقلت الريحُ أخبارهم وتزلزلت الأرضُ رفضًا وكُرهًا. أنّت أنينًا...

اقرأ المزيد