الفصل التاسع

اقتربت شذى من روض التي جلست على السور الحجري أعلى البيت تتطلع بعينين غائمتين نحو الأراضي الزراعية المحيطة بهم، ولم تفلح الخضرة الممتدة أمام ناظريها في بث القليل من السلام في قلبها المجهد .. ربما لو كانت أتت هنا في ظروف أخرى لكانت الآن تجري وسط هذه الخضرة وضحكاتها تتردد في المكان، لكن ليس الآن .. ليس بعد أن تلقت صفعتان مؤلمتان في لحظة واحدة لتفقد بعدها جزءًا من نفسها .. هناك بقلبها، جزء ما لم يعد موجودًا.

تنهدت وعيناها تغمضان تتذكر تلك اللحظات في المطعم، ومحاولات حسن اللحاق بها ووصولها البيت لتتفاجأ بصوت شذى المرتفع .. دخلت الشقة بخوف لتسقط الحقائق فوقها كالصاعقة ... حين ابتلعها الظلام ثم فتحت عينيها بعدها، لتجد شذى وأم حسن تطلان عليها بقلق ولهفة، لم تحتمل وانفجرت في البكاء بين ذارعيّ أختها وكل جراح الماضي التي ظنت أنّها أحسنت إخفاءها انفجرت واحدة تلو أخرى .. ظنت أنّها تمكنت من تجاوز تلك المرارة داخلها، مرارة كونها يتيمة ولها أبٌ على قيد الحياة .. أب رفضت أن تذهب لتراه مرة خشية أن يرفضها ثم تأكدت أنّه لن يريدها يومًا بعد أن سمعت جدتها تحدثه ذات يوم على الهاتف تطلب منه القدوم وسمعتها تخبره أنّ المال ليس كل شيء ففهمت ما يقوله وفهمت أنّه لا ينوي أن يقدم لها شيئًا سوى المال .. ظلت جدتها لآخر أنفاسها تنتظر قدومه ولم يأت، وهي لم تكن لتبحث عن رجل تخلى عنها وهي بعد لم تتم العامين.

عادت تتذكر كلمات العم راضي حين تمكنت أخيرًا من مغادرة غرفتها لتقابله عندما أتى ليطمئن عليها .. لم تستطع رفض طلبه وهو الرجل الوحيد الذي عوضها عن شعور اليتم وأذاقها ولو لبضعة أشهر معنى أن يكون لها أبٌ يحبها ويرعاها.

"أنتِ قوية يا روض"

أخبرها وهو يجلس أمامها في صالة البيت .. ابتسمت بشحوب ليتابع هو بحزم امتزج بحنانه

"أنتِ مثل تلك الزهور التي تنبت في الصخر وتحتمل أصعب ظروف الطبيعة .. تنبت بإصرار رغم كل شيء"

كلماته كانت تواسيها لكنّها لم تقترب من جرحها الذي فتحه وهو يسألها برفق

"ألا تريدين التحدث معي في الأمر؟"

غمغمت بتعب

"ماذا سأقول؟ .. لم يعد هناك أي فائدة من الكلام"

ربت على كتفها قائلًا بأبوة

"الكلام يريح يا ابنتي … أنتِ اعتبرتِني مثل أبيكِ فلماذا لا تفتحي قلبكِ لي وتخبريني كل ما يؤلمكِ؟ .. إن لم أصل معكِ للحل فعلى الأقل سترتاحين"

"أبي؟"

همست بمرارة، فسألها بلوم

"ألست كذلك؟"

رمقته من بين دموعها وهمست

"أنت الوحيد الذي منحني هذا الشعور .. أنا آسفة لانهزاميتي"

ابتسم لها بحنان وقال

"أخبريني يا صغيرتي .. ارمي همومكِ"

فتحت فمها لتخبره بكل شيء .. تشكو له أبًا تخلى وحبيبًا كسر قلبها .. كانت تهذي بكلماتٍ غير مترابطة بينما يستمع لها بصبر واهتمام قبل أن تختم كلامها تخبره بمرارة

"أنا تعبت من الادعاء .. اكتشفت أنني كنت أدعي القوة حتى تطمئن شذى .. لكنني"

ولامست قلبها مكملة بوجع

"هنا شيء ممزق .. ظننتني تكيفت مع غيابه ونبذه القاسي لي لكنني لم أفعل والآن .. رحل .. مات .. أصبحت يتيمة بحق"

تحشرج صوته وهو يخبرها

"أخبرتكِ أنكِ قوية وستتجاوزين كل هذا .. كما قلتِ .. هو مات فلا تدعيه يؤذيكِ بعد موته كما فعل في حياته .. انظري للجانب المشرق .. أنتِ لديكِ إخوة .. وهم يريدون عودتكِ إليهم والعناية بكِ .. لماذا ترفضين رؤية ضياء؟"

ارتجفت شفتاها مع ذكره .. الشاب الذي اقتربت منه يومًا لتساعده في الوصول لقلب أختها لتكتشف الآن أنّه أخوها .. هل تُصدق مثل هذه الصدف؟ ... ضياء الذي ارتاحت له وفتحت له قلبها بسرعة لم تتعودها نحو شاب غريب .. هل كان الدم يحن إلى بعضه كما يقولون؟

كادت تبتسم بسخرية لولا أن سمعت العم راضي

"إنّه يأتي يوميًا يترجى شذى لتسمح له برؤيتكِ .. تحدث معي بضع مرات وشرح لي كل شيء وطلب مني التحدث معكِ وإقناعكِ"

رمقته بأسى وابتسم هو بمرح مفتعل

"وليس هو فحسب .. ذلك المسكين الآخر توسلني لأقنعكِ برؤيته .. يريد أن يشرح لكِ سوء الفهم الذي حدث"

تمتمت بخواء

"لا يهم .. لا أريد أن أسمع شرحه أو تبريراته .. أنا متعبة حاليًا ولا أريد سماع شيء .. ليتركني حتى أهدأ .. ربما أستطيع فتح قلبي مرة أخرى لأسمعه دون أن أحطم ما بيننا للأبد"

قال وهو يربت على كتفها

"حسنًا يا صغيرتي ... دعينا نضع موضوع حسن على جنب وفكري في أمر إخوتكِ .. قابلي ضياء واسمعي له .. ربما تغيرين رأيكِ"

وتأملها قليلًا ثم أردف

"ربما ذهابكِ للبلدة يساعدكِ في الهدوء والعزلة التي تريدينها لتحكمي على الأمور أفضل خاصة خطبتكِ أنتِ وحسن"

أومأت بشرود فنهض مبتسمًا بحنان ومال ليقبل قمة رأسها بأبوة

"حفظكِ الله يا ابنتي وهداكِ لما فيه الخير لكِ"

وتركها تفكر مليًا، ولا تنكر أن كلامها معه أراحها بالفعل وخلال اليومين التاليين فكرت كثيرًا قبل أن تسمح لضياء برؤيتها.

عادت تتنهد تتطلع للحقول الواسعة .. كانت بحاجة لهذه الفترة المستقطعة في هذا الجو الساحر الهادئ .. ابتسمت بسخرية وهي تتذكر الصخب الذي قابلها ما أن حطت قدماها في البلدة بعد أسبوعين من وفاة والدها حين وافقت أخيرًا على مرافقة ضياء لترى إخوتها وتتعرف إليهم ولتحصل على نصيبها من الإرث الذي رفضته بشكلٍ قاطع وأخبرت ضياء أنّها كانت مرغمة على استلام مالها الشهري ونفقتها لأنّ جدتها لم تكن لتستطيع أن تنفق عليها واعتربتها حقًا عن تركه لها لكنّه أخبرها بحزم أنّ إرثها أيضًا حقها الشرعي ولن يأكلوه.

كان ضياء حازمًا ورأت فيه نسخة أخرى غير الشاب المرح العاشق لأختها .. منذ أول يوم وافقت على مقابلته والتحدث معه، غمرها بمشاعر اهتمام وأخوة .. شعور أن يكون لها أخٌ أكبر كان مختلفًا تمامًا وهي كانت في حاجته تلك الأيام .. شذى لم تقصر معها أيضًا وهي لامت نفسها كثيرًا على أنانيتها وانطوائها على جروحها ناسية أنّ شذى كانت صاحبة النصيب الأكبر من جروح الماضي .. أن تتلقى صدمة من رجل بعد رجل ثم في النهاية يتضح أن الرجل الوحيد الذي أحبته ابن عدوها والمثل الأعلى الذي أقامت صرح كراهيتها للرجال على أساسه.

صوت خطوات تقترب جذب انتباهها فرفعت رأسها لترى شذى .. ابتسمت لها بشحوب فاقتربت لتجلس بجوارها وسألتها بحنان

"كيف حالكِ اليوم؟"

"أفضل"

وأخذت نفسًا عميقًا ثم تابعت

"شكرًا لأنّكِ أتيتِ معي يا شذى"

"لم أكن لأترككِ تذهبين لمكان من دوني"

أخبرتها بحزم فرمقتها روض بنظرة ذات مغزى

"حتى لو كان مكانًا تكرهينه"

تنهدت شذى مطولًا ثم قالت

"المهم عندي هو أنتِ .. كان يجب أن أطمئن عليكِ وأتأكد من أننا سنعود سويًا"

هزت رأسها بشرود فسألتها شذى بتوجس

"نحن سنعود لبيتنا، صحيح؟"

غامت عيناها وهي تتطلع للحقول

"سنعود لا تقلقي .. المكان ساحر وقد أحببته لكن .."

والتفتت لها هامسة من بين دموعٍ هددتها

"لا أشعر أنّه بيتي .. وهُم .."

صمتت قليلًا تتذكر لقاءها بأخوتها الذكور .. لقد أحسنوا استقبالها .. ربما زاهر فقط من شعرت من جانبه ببعض التحفظ .. قلبها يخبرها أنّه ربما لا يريد الاعتراف بها وربما يكره ظهورها المفاجئ .. قد تكون واهمة، لكنّها على الأقل متأكدة من كراهية شخصٍ آخر لها.

"هل ضايقوكِ؟ .. هل عاملكِ أحدهم سـ .."

سألتها شذى بتوجس فأسرعت تقاطعها

"لا .. لم يسئ أحدهم لي .. لقد رأيتِ بنفسكِ .. فقط"

"فقط؟"

أخبرتها روض بعد لحظات تردد

"سهام زوجة زاهر .. إنّها تكرهني .. نظراتها لا تريحني وطريقة كلامها"

زفرت شذى بضيق وأومأت

"لقد لاحظت هذا .. حتى أنا لم أفلت من نظراتها ولسانها ولم تحترم كوني ضيفة"

وهزت كتفيها وقالت مربتة على كتفها

"مالنا ولها .. سنترك لها بلدتها الغالية ونذهب خلال أيام"

فتحت فمها تنوي إخبارها عن مضايقات شقيق سهام ومحاولاته فرض نفسه عليها والتقرب منها بطريقة مفضوحة لكنّها صمتت حين لمحت ضياء يصعد إلى السطح متجهًا نحوهما.

التفتت شذى وقطبت بتجهم لكنّ قلبها الأحمق خانها وتوتر مع قربه كما اعتادت خلال الأيام التي قضتها في بيته .. حاول الحديث معها كثيرًا لكنّها صدته وأخبرته بحزم أنّها ستعود مع روض وستعتبر أنّها لم تلتق به .. فقط لن تحرمه حقه في رؤية أخته وقتما يحب.

تململت في وقفتها وقالت ما أن اقترب

"سأذهب لأرتاح قليلًا لا تتأخري في النزول لترتاحي أنتِ أيضًا"

أومأت روض وعيناها على ضياء الذي خانته مشاعره وفضحته نظراته المجروحة التي تعلقت بشذى .. أوقفها مناديًا ما أن تجاوزته

"شذى .. انتظري قليلًا"

لم تلتفت له وغمغمت بجمود

"آسفة .. أنا متعبة وسأذهب لأرتاح"

وأسرعت تغادر قبل أن يمنعها وتنهد هو بحرارة ثم التفت إلى روض وابتسم بحنان لم يخف جرحه

"كيف حالكِ حبيبتي؟ .. أفضل اليوم؟"

أومأت بصمت فاقترب ليقبل جبينها وهمس بحب أخوي دفع بالدموع إلى عينيها

"إن شاء الله تكونين دائمًا في أفضل حال"

جلس على السور مقابلها وأمسك كفها برفق

"هل فكرتِ في كلامنا يا روض؟"

غامت عيناها وهي تنظر للحقول ثم همست

"فكرت يا ضياء .. سامحني .. لا أستطيع البقاء هنا .. لا أشعر أنّه بيتي"

ربت على كفها قائلًا بأسى

"أفهمكِ حبيبتي"

تمتمت باعتذار

"هناك بيتي وعملي وحياتي والناس الذي أحبهم"

تحشرج صوتها مع كلمتها الأخيرة فتنهد بأسى وسألها

"لم يتصل بكِ؟"

ابتسمت بشحوب

"يتصل لكنني لا أرد .. لا أريد سماع أي مبررات .. أريد أن أرتاح قليلًا حتى أجد نفسي بعد كل ما حدث"

أخبرها بحنان

"لديكِ كل الوقت وهذا بيتكِ الثاني يا روض حتى إن لم تشعري بهذا الآن .. سيظل مفتوحًا لكِ"

رمقته من بين دموعها وأومأت فابتسم مردفًا

"والآن .. ألا تنوين مساعدتي في استعادة أختكِ العنيدة هذه؟ .. لقد تعبت والله معها .. لا أعرف كيف أقنعها"

تنهدت مغمغمة بعد لحظات

"دعها قليلًا ضياء .. هي مجروحة الآن وتحتاج لبعض الوقت لتستطيع رؤية الأمور جيدًا هي الأخرى .. تحتاج لتفصل بين الصورتين .. بينك وبين .."

صمتت فأومأ بفهم .. مشكلته الآن أن يثبت لشذى أنّه ليس كأبيه وأنّه لن يخونها ولن يتركها .. أن يثبت لها أنّها حبه الوحيد .. يخشى لو انتظر أكثر أن يخسر فرصته معها وتهرب بعيدًا لتتخفى وراء جدرانها الصلبة من جديد وعندها سيكون صعبًا أو ربما مستحيلًا أن يصل إليها.

**********************

تابع حسن بشرود قفزات ماكس حوله محاولًا لفت انتباهه بينما كان العم راضي على مقربة منه يصب كوبين من الشاي ليغمغم بأسى وبنبرة مقصودة

"كم أفتقد طعم الشاي من يدها"

انتفض قلبه بعنف مع ذكرها .. هو لم ينسها لحظة طيلة الشهر الماضي .. القاسية .. لم يتوقع أن يطول خصامها لهذه الدرجة .. لكنّه هو المخطئ .. كان يجب أن يعرف أنّ ماضيه سيعود لينغص عليه حياته .. أخطأؤه وطيشه قبل سنوات وغروره وتبجحه ونظرياته الحمقاء الغبية كلها يدفع ثمنها الآن .. حبيبته والوحيدة التي أحبها بصدق .. تركته ورحلت .. هل خسرها للأبد؟

"أوحشني شاي الورد .. وآه من طعم الكيك الذي كانت تعده .. أفتقده بشدة"

حدجه حسن مقطبًا وهتف

"هل أتيت إليك لتقلب عليّ المواجع يا عم راضي؟"

ضحك وهو يناوله كوب الشاي وغمز

"تفضل .. شاي بالنعناع"

مط شفتيه يرمقه بحنق فازدادت ضحكته وضربه على كتفه، ليردد حسن بيأس

"أنت تستمتع بعذابي، صحيح؟"

أخبره بابتسامة مشاكسة

"إن شئت الصراحة .. نعم"

زفر بحرارة وسمعه يتابع

"لقد جرحت ابنتي وجعلتها ترحل من هنا هربًا منك"

التفت له هاتفًا

"أقسم بالله كان سوء فهم .. وهي رفضت الاستماع لي"

ربت على كتفه وقال بجدية

"أعرف يا بني .. لكنّها مجروحة ولا يمكنك لومها"

"كان يجب أن تسمعني .. أن تثق بي ولو قليلًا"

غمغم بحزن فأخبره العم راضي

"بني .. لقد أحببتما صحيح، لكن حبكما ما زال في مراحله الأولى .. أنتما تخطوان معًا وتساعدان حبكما ليكبر وينمو .. هذه العثرة إما تكونان قدرها وتتجاوزانها أو تضعفا أمامها وتتركا حبكما يموت كما فعلت آلاف القصص قبلكما"

أطرق مفكرًا بقلبٍ مهموم بينما ارتشف العم راضي من كوبه ثم قال

"المشكلة أن روض ببراءة قلبها رسمت لك صور نقية تمامًا .. صورة فارس لا يمكنه ارتكاب تلك الأخطاء ولهذا كانت صدمتها كبيرة"

انقبض قلبه بألم وهمس

"لكنني حاولت أن أشرح لها .. هي رفضت أن تسمع"

رمقه رافعًا أحد حاجبيه

"وأنت ماذا تفعل هنا؟"

"نعم؟"

سأله بحيرة فارتشف من فنجانه رشفة ثم أخبره بتهكم

"هل جئت تضع همك على همي وتبكي على الأطلال؟"

نهض هاتفًا بنفاذ صبر

"يا عم راضي هل أتيتك لتظل تسخر من حالي؟"

ضحك مشيرًا

"يا أحمق .. أنا أسألك .. لماذا ما زلت تجلس هنا تبكي على الأطلال بدل أن تذهب إليها وتجبرها على الاستماع لك؟"

توقف مكانه مقطبًا

"هل تعني …"

زفر بملل مصطنع

"شباب هذه الأيام"

ورمقه باستخفاف

"هل أنا من سأخبرك كيف تفوز بقلب حبيبتك وتستعيدها؟"

نظر له مليًا دون كلمة، فهز رأسه بيأس

"يا ابني يا حبيبي .. هل ستظل في انتظار مكالمة منها تخبرك أنّها تصافت مع نفسها وعلى استعداد أن تسمعك؟"

رمش بجفنيه ليلوح العم راضي بسبابته وواصل متهكمًا

"عليك الحذر حين تترك امرأتك غاضبة وتخبرها أنّك ستتحدث معها عندما تهدأ .. سينقلب هذا عليك وستكون هي قد خططت مع الشيطان أفضل طريقة للتخلص منك"

ابتسم رغمًا عنه ثم قال

"فائق ورائق يا عم راضي .. اسخر كما تشاء"

وضع الفنجان ثم نهض ليضربه على ظهره بقوة دفعته للأمام

"اذهب أيها الأحمق لقد سئمت من ندبك طيلة اليوم"

التفت له حسن بشفتين مزموتين فلوح له بسبابته

"اذهب وأجبرها على سماعك وبُح لها بكل ما في قلبك ولا ترجع إلا بها"

وتحرك يتبعه كلبه متقافزًا بحماس .. هتف العم راضي من عند بابه

"لن أسمح لك بدخول الشارع إن عدت من دون ابنتي أيها العاشق الأحمق"

أومأ مبتسمًا بقلة حيلة ثم هتف عاليًا ليصل صوته عبر الباب الذي انغلق

"أعدك يا عم راضي .. لن أعود إلا بها"

وجرى نحو العمارة ليصعد ويبدل ثيابه ويستعد للسفر إلى بلدة أسرتها .. لن يعود إلا بها ولو اضطر لمواجهة الجميع هناك وأولهم هي وعنادها.

**********************

طرقات على باب الغرفة دفعتها لتنهض وترتدي روبها فوق ثيابها .. ألقت نظرة على روض الغارقة في النوم وتحركت بخفة وتفتح الباب .. اصطدمت عيناها بالفراغ قبل أن تخفضهما لتجد باقة كبيرة من الورود البيضاء والحمراء وبجوارها صندوق صغير .. لن يتوقف عن إرسال الورود حتى ترضى عنه .. هكذا أخبرها.

وأوفى بوعده فلم يتوقف طيلة الأيام الماضية عن إرسال الورود لها صباحًا ومساءً.

قاومت ابتسامتها وقلبها ينبض بقوة ومالت لتحمل الباقة والصندوق قبل أن تدخل الغرفة مغلقة الباب واستندت عليه محتضنة الباقة .. تنهدت وهي تتناول البطاقة فوقها

"سامحيني"

ابتسمت بشحوب قبل أن تنتبه لبطاقة أخرى كانت تحتها .. التقطتها وقرأت

"أحبكِ إلى آخر عمري"

وثالثة تقول

"ثقي بي"

ورابعة

"افتحي العلبة"

فتحتها بيد وقلبٍ مرتجفين .. ارتفع حاجباها حين وجدت وشاحها الذي فقدته في الصيف الماضي .. التقطته وتحسسته .. إنّه هو ... توقفت عيناها على أول حروف اسمها الذي نسجته روض عليه قبل أن تهديها إياه ... دمعت عيناها بتأثر .. كان معه طيلة هذه المدة .. منذ ذلك اليوم .. لم يكذب عليها حين قال أنّها سرقته من أول نظرة ولم ينسها يومًا بعدها .. شعرت بغصة في حلقها قبل أن تلمح الورقة المطوية داخل الصندوق .. اتجهت لتجلس على الفراش وهي تحتضن الباقة والوشاح وفتحت رسالته وقلبها ينبض بسرعة أكبر

"حبيبتي

سامحيني .. أحبكِ .. ثقي بي ..

سأظل أقولها حتى تقتنعي بها .. حتى تثقي أنني لن أكون مثلهم أبدًا .. أنتِ عمري والمرأة التي اخترتها دون عن كل النساء .. لم تر عيناي قبلكِ ومن بعدكِ صارتا عمياوتين عن باقي النساء .. أحبكِ يا شذى"

"ملحوظة .. لو قررتِ منحي فرصة ووافقتِ على خوض التجربة معي لآخر عمرنا .. ارتدي وشاحكِ وقابلني على السطح في المكان الذي تجلسين فيه مع روض دائمًا .. سأنتظركِ مهما طال العمر"

أغلقت الورقة وخانتها شهقة باكية قبل أن تنتفض على صوت روض المتهكم

"وما دمتِ تشعرين بالتأثر لدرجة البكاء وتسهرين كل ليلة تفكرين في أخي المسكين .."

التفتت لتجدها جالسة على الفراش تضم ساقيها لصدرها متابعة

"فلماذا لا ترحميه من عنادكِ وقسوتكِ غير المبررة؟"

أسرعت تضع الباقة جانبًا

"أنا لا .."

قاطعتها هاتفة

"بالله عليكِ يكفي هذه النعرة الكذابة"

رمقتها باستنكار فضحكت روض وهي ترتمي على الفراش مواصلة

"أنتِ تكابرين يا أختي الحبيبة .. قلبكِ يصرخ كل ليلة وأنا أسمعه"

ضربتها بحنق ثم هتفت مغيظة

"وأنا أيضًا أسمع قلبكِ يا حبيبتي يبكي ويتوسل ليتصل بالمسكين الآخر الذي تركتِه خلفكِ وأتيتِ إلى هنا هربًا من المواجهة"

زمت شفتيها ثم قالت

"أنا غاضبة منه وهو لم يأت ليصالحني"

رفعت حاجبيها مرددة

"بعد أن أهلك هاتفي باتصالاته حتى أجبرني على غلقه لأرتاح، وبعد أن توسل لمقابلتكِ هناك في بيتنا وتقولين لم يأت ليصالحكِ"

وضربت كتفها بغيظ

"وتقولين عني أنا نعرة كذابة؟ .. يا شيخة حرام عليكِ .. حتى قلبي الحجري أشفق عليه"

ابتسمت بخفوت ثم قالت وهي تتقلب لتنام على جانبها

"دعكِ من حبيبي وركزي مع حبيبكِ أنتِ .. ونصيحة مني .. أسرعي واسرقيه من هنا قبل أن تتمكن تلك الحدأة سهام من سرقته لأختها"

سكين من الغيرة طعنت قلبها وهي تتذكر ريم وكلام سهام المسموم بشأن زواجها من ضياء .. لا تنكر غيرتها ولن تنكر أنّها ارتعبت من أن تخسره للأخرى.

انتبهت على روض تكمل بعد أن تثاءبت

"لا تنسي أن تغلقي النور والباب خلفكِ ولا تتأخري كثيرًا فوق السطح"

اتسعت عيناها وهي تلتفت لها .. تعرف بأمر السطح؟ .. إذن هما متفقان معًا .. الماكران

"ولا داعي للمشاهد العاطفية فهذه بلدة ذات تقاليد ولا نريد أن يتم الإمساك بكما في فضيحة تضطران للزواج على إثرها"

عضت شفتها بغيظ وانحنت لتوجه لها ضربة أقوى منتزعة منها آهة ألم

"هذا جزاءي لأنني أنصحكِ"

هتفت روض وهي تركل بساقيها على الفراش

"اذهبي وافعلا ما تشاءان .. لن أتدخل لو قبضوا عليكما"

بتسمت شذى مرغمة قبل أن تخفض عينيها للوشاح وقلبها عاد لينبض متوسلًا إياها بينما آخر سطور رسالته يتردد بصوته يهد جدران مقاومتها وعنادها بقوة.

*********************

تمتم حسن شاكرًا وهو يمنح المال للرجل الذي ساعده في إصلاح سيارته التي لم يحل لها أن تتعطل سوى في وسط الطريق .. سار لمسافة طويلة حتى وجد ورشة مفتوحة وعاد مع صاحبها ليصلح سيارته .. تطلع للطريق التي حل عليها الظلام .. لولا تعطل السيارة لوصل والنهار ما زال طالعًا .. الآن كيف سيدخل بلدتها ويطلب مقابلتها في الوقت المتأخر؟

أخرج هاتفه وهو يعاود الانطلاق بسيارته .. انتظر الرنين بفارغ الصبر لينقطع دون رد .. حاول الاتصال بشذى فلم يفلح أيضًا ... هل خلدوا جميعهم للنوم؟ .. حسنًا .. ليصل إلى البيت أولًا وبعدها يعاود الاتصال .. خلال ساعتين كان قد وصل إلى العنوان الذي أخبره به ضياء، وتطلع إلى البيت الكبير أمامه وقلبه ارتجف بشدة .. حبيبته هنا .. خلف جدران هذا البيت .. هاربة منه .. لكن لا .. مضى وقت الهرب والآن عليها أن تسمعه بأي طريقة.

ترجل من السيارة واتجه ليقرع الباب دون أن ينتبه للخيال الذي راقبه من البيت والذي جرت صاحبته بخفة وهي تتلثم بوشاحها ونزلت السلالم لتفتح الباب في اللحظة التي رفع حسن يده ليطرقه .. تراجع بحدة متفاجئًا وتطلع للمرأة التي كانت تعدل وشاحها الذي انزلق عن خصلاتها السوداء بينما تخفي نصف وجهها خلفه .. تمتم مرتبكًا

"المعذرة كنت أريد .."

قاطعته بلهفة بهمسات خافتة

"لا بد أنّك الدكتور حسن"

شيء ما في نظراتها لم يرحه، لكنّه أومأ فأسرعت تقول

"جيد أنّك أتيت .. لا تعرف كم دعوت الله أن تأتي"

قطب بحيرة

"عفوًا .. لكن من أنتِ .. أعني .. هل يمكنني مقابلة ضياء ابن الحاج صلاح الغمري؟"

أسرعت تجيبه وهي تتلفت حولها

"ليس هنا وفي الحقيقة .. لن تستطيع فعل شيء حتى بمقابلته"

"عذرًا .. أنا لا أفهمكِ .. ما .."

قاطعته مشيرة له

"ادخل بسرعة قبل أن يراك أحد"

لم تمنحه الفرصة وشدته من ذراعه فهتف

"يا سيدة لو .."

أسرعت تضع يدها على فمها

"لا تحدث صوتًا وإلا قتلوها"

"قتلوا من؟ .. ما الذي تتحدثين عنه؟"

ردد بقلبٍ متوجس فقالت

"ألم تأت لتأخذ بنت عمي المسكينة روض وتهرب بها قبل أن .."

قطعت جملتها بتردد فهتف

"قبل ماذا .. ما الذي يحدث هنا و"

أسرعت تتوسله ليصمت بينما تضرب على خدها

"يا خرابي .. سيسمعونك ولن تستطيع مساعدتها"

قلقه على روض لغى كل تفكير آخر من عقله وواصلت هي همسها ناظرة حولها بقلق شديد

"إنّهم يحبسونها وسيقومون بتزويجها غدًا من أحد أبناء عمومتها"

"ماذا؟"

هتف مستنكرًا فاندفعت تكتم فمه

"أقبل يديك لا تحدث صوتًا"

ابتعد عنها لتخفض يدها متابعة

"سيزوجونها رغمًا عنها حتى لا يخرج إرثها من العائلة"

"مستحيل .. ضياء يعرف أنّها مخطوبة لي"

مصمصت شفتيها

"ضياء يا حبة عيني .. ماذا يمكن أن يفعل أمام جبروت أشقائه وعائلته كلها؟ .. إنّهم يحبسونها ويحبسون أختها أيضًا"

اتسعت عيناه بصدمة

"مستحيل .. ما الذي تقولينه؟ لا يمكن أن يحدث هذا .. ألا يوجد قانون في هذا البلد؟"

وتحرك ليخرج فوقفت في طريقه

"ماذا تفعل؟"

قال بقسوة

"سأذهب لأقابل أي كبير في هذا البلد وأعرف ماذا يحدث بالضبط"

لطمت خدها

"سيقتلونني لو عرفوا .. أرجوك .. هذه فرصتك الوحيدة .. خذها واهرب"

"وكيف سـ .."

قاطعته بسرعة مشيرة لأحد الاتجاهات

"غرفتها في الطابق العلوي في .."

قطب بتوجس وهو يستمع إليه قبل أن تنتهي من وصف الطريق وتندفع مبتعدة

"خذها وغادر فورًا وإلا ستخسرها للأبد"

واختفت بسرعة قبل أن يتمكن من إيقافها، ووجد نفسه يقف في ساحة البيت الخالية بأنوارها الخافتة .. ماذا يفعل؟ .. هل يذهب ويبحث عن كبار البلد؟ .. أسرع يخرج هاتفه ويعاود الاتصال بهاتف شذى ليجده ما زال مغلقًا بينما هاتف ضياء يرن فقط دون رد .. كاد ينسحب شاعرًا بوجود خطأ لكنّ قلبه القلق بجنون دفعه ليتحرك نحو الاتجاه الذي وصفته .. تسارعت خطواته وهو يحدث نفسه .. سيسمع صوتها ويطمئن عليها وإن تأكد مما قالته المرأة سيهرب بها فورًا ويبلغ الشرطة لينقذها هي وشذى منهم .. أما لو كذبت ..

توقف على أول الدرجات وعاوده هاجسه، فأعاد الاتصال بضياء دون جدوى .. استسلم لخوفه عليها وأسرع صاعدًا السلالم بحذر.

تسارعت نبضاته وهو يقف أمام باب الغرفة ومد يدًا مترددة إلى مقبضه .. هل هي غرفتها حقًا؟ .. ماذا لو؟

سمع حركة في نهاية الرواق فأسرع يفتح الباب برد فعل سريع ولدهشته انفتح .. لم يجد الوقت ليحلل الأمر وهو يندفع إلى الداخل .. كاد يغادر نادمًا على اندفاعه حين سمع صوتها يردد بسخرية لذيذة وشقاوة اشتاقها

"ماذا حبيبتي؟ .. عدتِ سريعًا .. هل حاول أخي الحبيب التغرير بكِ؟"

قلبه انتفض بينما عقله عاد يعمل سريعًا مفكرًا في شيئين .. أولهما .. أنّها هنا بقربه أخيرًا .. والثاني .. أنّ كلامها لا يوحي أبدًا أنّها محبوسة أو مهددة.

ضاع كل تفكيره حين رأى خيالها على نور القمر المتسلل من النافذة بينما تعتدل في الفراش وخصلاتها التي ازدادت طولًا حتى منتصف كتفيها تحركت بسحر يتذكره جيدًا.

"شذى .. لماذا أنتِ صامتة؟ .. هل حدث شـ "

انتفض قلبها حين لمحت خياله في الظلام وظنته غريبًا في غرفتها فصرخت بأعلى صوتها في رعب .. اندفع هو في لحظة ليجاورها وفي اللحظة التالية كان يغطي فمها بكفه هامسًا

"اهدأي .. هذا أنا .. حسن"

تسارعت أنفاسها وارتجفت بذهول، بينما قلبه هو ارتجف من اشتياقه لها ونسي كل شيء .. ظل يحدق في عينيها المتسعتين غير مصدقٍ أنّه يراها .. أبعد يديه لتهمس اسمه بارتجاف وشوق يماثل شوقه وكاد يقترب ليغمرها بين ذراعيه لولا أن هتفت بفزع وهي تبتعد لنهاية الفراش

"ماذا تفعل هنا يا مجنون؟"

نهض هو متراجعًا خطوة بارتباك

"أتيت لرؤيكِ يا روض .. ظننت أنّكِ .."

لم تنتبه لحالتها أمامه بينما تهتف بتوسل

"هل جُننت؟ .. اخرج بسرعة قبل أن .."

لم تكتمل جملتها حين هوت ضربة قوية على الباب واندفع ثلاثة أشخاص إلى الداخل .. سقط قلبها بين قدميها وهي تسمع أصواتهم قبل أن يسطع النور في الغرفة وترى وجوههم بوضوح .. وجوه إخوتها الكبار .. مشتعلة بالغضب.

*************************

قبل قليل

وقف ضياء فوق السطح متطلعًا للمساحة الخضراء أمام بيتهم وقد غطاها الظلام إلا من نور القمر الخافت .. نظر للقمر مغمغمًا بقلق

"هل ستأتي؟ .. هل ستثق فيّ هذه المرة وتعطيني الفرصة؟"

كل دقيقة مرت عليه في وقفته زادته قلقًا .. يعرف كم هي عنيدة .. لا .. بل يعرف كم هي مجروحة وبماذا مرت في حياتها .. والده سبب في نشأتها هذه .. استغفر بحرارة ثم دعا له بالرحمة .. لا تجوز عليه الآن سوى الرحمة .. الآن عليه هو أن ينقذ حبه ومستقبله .. لا يتصور أنّ يعيش أيامه القادمة وهي ليست فيها .. سيقنعها بأي طريقة .. سيؤكد لها كل يوم أنّه يحبها ولن يخونها وسيزرع تلك الثقة بحبه ورعايته لها دائمًا.

صوت خطوات ارتفع من خلفه تصعد السلالم جعله يلتفت بلهفة ... يا رب لتكن هي .. ظهر خيال عند مدخل السطح فانتفض قلبه وهو يلمح الفستان الرقيق الذي تطاير مع النسيم كما فعلت خصلاتها الطويلة وعلى نور القمر رآها وهي تتقدم .. رؤيتها دائمًا تنتزع تلك النبضات منه لكن ما جعل قلبه ينتفض متقافزًا كالمجانين حتى كاد يشق صدره ويندفع إليها محتضنًا، كان وشاحها الوردي الذي ارتدته حول عنقها كأول مرة رآها فيها.

كانت إشارتها وبشارته.

اندفع يلتقيها في منتصف المسافة، وتوقف أمامها لاهثًا بخفقات مجنونة وقاوم بشدة حتى لا يضمها لصدره بينما نور القمر يغمرهما بعذوبة .. شعر أنّه يعانقها بهذه الطريقة .. أخذ نفسًا مرتجفًا وهو يلمح ابتسامتها التي سرقته ذات يوم

"لقد أتيتِ"

همس فهمست بالمقابل وأنفاسها ترتبك بينما تلامس وشاحها برقة

"وهل ظننت أنني لن آتي؟"

لم يستطع مقاومة نفسه أكثر .. على الأقل ليحتضن يدها ويطمئن لوجودها .. أنّه لا يتخيل الآن .. همس وهو يلتقط كفها فحاولت شدها لكنّه ازداد تشبثًا

"خشيت ألا تأتي .. كنت سأظل منتظرًا حتى الصباح"

"وإن لم أحضر"

صمت هُنيهة ثم ردد وهو يضغط كفها

"كنت سأرسل لكِ ورودي كل صباح ومساء حتى يلين قلبكِ بينما أنتظركِ هنا كل ليلة"

ضحكت برقة ثم قالت

"وأنا أشفقت عليك .. ربما تصاب بالبرد من وقوفك يوميًا بهذه الطريقة"

تراقصت نبضاته مع ضحكتها وران الصمت لثوان وهو غارق في تفاصيلها فقالت

"ما الأمر؟"

"أحاول التصديق"

أخبرها بخفوت، فابتسمت بخجل وتمتمت

"بل صدق .. أنا هنا حقًا"

تحرك وهو يشدها نحو السور وأجلسها فوقه برفق وجلس مقابلها

"أخشى التصديق"

ابتسمت متمتمة بمواساة

"أعرف أنني كنت سيئة كثيرًا معك يا ضياء و.."

قاطعها واضعًا سبابته على شفتيها ثم سحبها سريعًا

"كان من حقكِ .. أعرف مقدار وعمق الجرح داخلكِ .. كنت مستعدًا لانتظاركِ طيلة العمر حتى تليني وتسمحي لي بالدخول لحياتكِ … حتى تقبلي أن أطيب جروحكِ وأعوضكِ ما عشتِه قبلي"

دمعت عيناها وهي تنظر إليه

"أنا من تخشى التصديق يا ضياء .. أنا خائفة"

اعترفت بوهن لم تجد خجلًا من إظهاره فهز رأسه

"لا تخافي وأنا معكِ .. أقسم لكِ وكل مخلوقات الله حولنا تشهد عليّ .. لن أمنحكِ سببًا واحدًا يجعلكِ تندمين على قراركِ .. لن أكسر قلبكِ أبدًا شذايّ"

سالت دموعها دون شعور فرفع يده يمسحها مغمغمًا

"أنا أحبكِ يا شذى ولا أعرف كيف حصل هذا بهذه السرعة لكنني أعرف أنّ قلبكِ ما زال أخضر في مشاعره ويحتاج للوقت حتى يكبر حبي داخله"

كادت تخبره أنّها تحبه بالفعل لكنّها صمتت

"امنحيني ثقتكِ وساعديني لنجعل حبنا وعلاقتنا تزهر وتكبر وتظل خضراء حتى آخر عمرينا"

ارتجفت شفتاها وأومأت بقلب مرتجف فرفع كفها ومال يقبله هامسًا بحرارة

"أعدكِ لن تندمي أبدًا"

فتحت فمها وقلبها يصرخ بها أن تعترف له .. جدرانه ما عادت قادرة على احتواء تلك المشاعر .. لامست الحروف شفتيها لكنّها توقفت حين دوت صرخة بالأسفل .. عقلها التقط الصوت فالتفتت له بفزع وانتفض الاثنان هاتفين في آنٍ واحد

"روض"

************************

التعليقات

200

المشاهدات

30,000

الإعجابات

500

شرفنا بوجودك، اشترك من هنا

اقرأ أيضًا

غلاف رواية قلوبٌ عصيّة
قلوبٌ عصيّة

يقولون أن قلب السراي يقبع تحت لعنة لعنة تحكمه منذ سنين بعيدة مرت أجيال وما زال قلب السراي عصيًا… محكومًا بالحديد والنار، مقيدًا بالسلاسل، ولن يقبل...

اقرأ المزيد