الفصل التاسع
من البداية كان الشك ملازمه، ماذا ينتظر ليوقن؟
ماذا ينتظر ليتأكد أنّه لم تمر لحظة لم يكن ضمن مخططات جده؟ ألم يكن على يقين أنّ جده يراقبه في غربته ولهذا كان يتعمد أن يظهر نمط حياة معينة ليوصل له الرسالة التي يريدها.
لكن يبدو أن تخطيط جده بشأنه يصل إلى أبعد مما تصور.
"مبارك، لقد نجح جدي فيما أراده طويلاً... لقد أصبحت مثله تمامًا"
كلمات نيروز لا تتوقف عن التردد في عقله منذ رمتها في وجهه، جعلته يفكر ويسترجع العديد من التفاصيل منذ هاجر وحتى زاره جده وقدم عرضه له، وتفاصيل ما بعد عودته.
والاستنتاج الذي وصله بعد جلسة تفكير عاصفة أنّ جده وراء كل ما حدث مؤخرًا.
كان يعرف أنّ رواء تعمل في شركة هشام رضوان ولهذا اقترح مشاركتهم في ذلك المشروع رغم عدم اقتناعه هو وقتها. هل كان يريده أن يراها من جديد؟
لكن لما؟ لماذا يعيدها إلى حياته إن كان لن يسمح بزواجه منها؟ وبالتأكيد هو لم يتغير ولم تنتبه نوبة عاطفة وشعور بالذنب فقرر جمع الحبيبين بعد طول فراق، كما أنّه من الأساس كان قد خطط لزواجه من وتين هاشمي، ثم الآن ابنة الوزير تلك.
لم يجد مبررًا سوى أنّ جده أراد وضع الأمل أمامه بيد وانتزاعه منه باليد الأخرى، يلوح له بحبه القديم بعد أن صار محرماً عليه ليجعل قلبه يغرق في اليأس والألم، يتحطم فلا يجد بُداً من التحول إلى صخر علّ الألم يتوقف.
ضغط دواسة الوقود مزيداً سرعته وهو يتمتم
"واهم يا جدي... واهم لو تصورت أنني سأتركك تتلاعب بي أكثر"
لامس قلبه متذكراً عودته للحياة لحظة شعر بها بين ذراعيه وهمس
"لم تكن أنت من أعدتها، كان القدر هو من جمعنا بطريقته"
إن سارت الأمور كما كان يخطط جده، كان التقاها في شركة هشام لكنّ القدر أراد شيئاً آخراً، وسواء كانت عودتها لعقابه أم لخلاصه فلن يتركها.
رواء هي من ستعيد إليه سالم الذي فقده في غمرة تخبطه مع الحياة وصراعاته، مجرد رؤيتها تعيد إليه سكونه وتوازنه من الداخل.
لكن عليه أولاً أن يشق طريقه نحوها بالصبر.
لم تفارقه أفكاره حتى وصل إلى المشفى واتجه إلى جناح سمراء، طرق باب ووصله صوت مألوف يدعوه للدخول، ففتحه ودلف ليستقبله هتاف راندا المصدوم
"اذكر القط"
رفع حاجبيه متسليًا وعضت هي شفتها حرجًا بينما كتمت سمراء ابتسامتها بصعوبة وهي ترحب به
تقدم مبتسماً وهو يرى الحرج الشديد على وجه راندا
"مرحباً يا آنسة سمراء، كيف حالكِ اليوم؟"
"بخير، شكراً لك"
لاحظ حركة رأسها الحائرة كأنما تحاول استشعار وجود أحد غيره فابتسم قائلاً
"لم يأتِ يوسف معي، انشغل بأمرٍ طارئ"
أومأت بابتسامة مرتبكة
"آه، لا بأس. تفضل، لا تقف عندك"
ردد وهو يرمي ابتسامة خبيثة نحو راندا التي زمت شفتيها مستشعرة سخريته من حرجها
"مرحباً يا راندا"
ردت بخفوت
"مرحباً، كيف حالك؟"
"بخير شكراً لكِ"
ران الصمت ثوان قبل أن يسألها باهتمام
"وكيف حال هشام؟"
مسحة الحزن غشيت ملامحها، فقطب بتوجس وأجابت هي
"بخير، هو بخير. شكراً لسؤالك"
تأملها مليًا وفتح فمه ليقول شيئاً لولا أن قاطعه دخول جميلة
"أنت هنا يا بني؟"
التفت لها وقد لامست قلبه كلمة "بني" التي تناديه بها دائماً، كان ممتنًا لها لأنّها لا تشعره أبدًا أنّه غريب ولا تلومه على الماضي، ابتسم لها بود بينما يسألها عن حالها، وخانته نظراته نحو الباب متوقعًا دخول رواء، لكنّ أمله خاب وجميلة تخبره
"لم تأت رواء اليوم"
ابتسم رغم خيبة أمله وقبل أن يتحدث اقتربت راندا قائلة
"أنا ذاهبة يا خالتي، تحتاجين شيئًا؟"
احتضنتها جميلة مودعة
"شكرًا يا راندا، اعتني بنفسكِ يا بنيتي"
أومأت ثم التفتت تحييه برقة غريبة عليها وتابعها ببصره بتردد حسمه سريعًا فاستأذن منهما معتذرًا وأسرع يلحق بها ليستفسر منها عن حالة هشام ولا يعرف ما الذي دفعه ليذكر أمامها أمر تعرضه للاعتداء. لام نفسه عندما رأى صدمتها قبل أن تستأذن منه وتذهب مسرعة، تنهد مبررًا لنفسه أنّه ربما من الأفضل أن تعرف حتى تطلب من هشام أن يحرص أكثر على حراسته.
عاد ليطرق غرفة سمراء وسمع صوت جميلة يأذن له فدخل، أخبرهما ناقلًا بصره بينهما
"أتيت فقط لأطمئن على الآنسة سمراء وأرى إن كنتم تحتاجون أي شيء"
ابتسمتا بامتنان وردت سمراء
"شكراً لك يا أستاذ سالم، أنا بخير وشاكرة لك كل ما تفعله"
"ﻻ تقولي هذا، إنّه واجبي"
التفت نحو أمها وقال بتردد
"أعرف أنني ربما أزعجتكِ بإلحاحي في هذا الأمر لكن... أما زال السيد بدر يرفض مقابلتي والحديث معي؟"
احمر وجهها بارتباك فهم منه الرد فتنهد مطرقاً
"اعذرني يا بني، الأمر ليس بيدي"
"ﻻ بأس، لولا أنني أخشى إغضابه أكثر لأتيت لزيارتكم في البيت"
تنهدت جميلة بأسى
"اصبر قليلًا ، إن شاء الله سيوافق، لكن... أنت تعرف، الأمر صعب جدًا بعدما"
صمتت بتردد فأومأ بأسى ثم نظر لها معتذرًا
"لديه كل الحق، أنا لا ألومه. لو كنت مكانه لتصرفت بنفس الطريقة"
رمقته بأسف بينما يواصل هازًا رأسه
"وددت فقط لو أعتذر له بنفسي وأخبره أنني لم أقصد أي سوء لرواء وأنني"
صمت لثوان ثم غلبه قلبه ليكمل هامسًا
"أنني ما زلت أحبها وأريد أن أعوضها عن كل ما عاشته بسببي"
ران الصمت بعد كلماته وجميلة ترمقه بحنان حزين بينما ابتسمت سمراء وقالت بعد ثوان
"دعني أحذرك إذن... أمامك معركة صعبة مع رواء بالأخص"
"أعلم هذا"
رد مبتسمًا بمرارة وتنهد
"وأنا مستعد لكل شيء وسأحتمل أي شيء منها حتى ترضى"
أطرقت سمراء بابتسامة حانية ثم قالت
"اعتبرني في صفك إذن، رغم أنّ هذا سيضعني في مشكلة كبيرة مع شقيقتي"
ارتفع حاجباه بدهشة بينما واصلت
"ربما أنت أملها لتعود كما كانت. أعرف أنني يجب أن أغضب منك وأكرهك بعد ما أصابها بسببك، لكنني أعرف أنّك دواؤها الوحيد"
قاوم غصته بينما يخبرها
"وهي أيضًا دوائي الوحيد"
اتسعت ابتسامتها وأومأت بينما تنفس هو بعمق والتفت لأمها قائلا بود
"سأنصرف الآن، إن احتجتما أي شيء أخبريني"
ردت بابتسامة ممتنة
"شكرًا لك يا بني، في أمان الله"
****
رافقته جميلة في خروجه تاركة سمراء ترتاح، أسندت ظهرها للوسادة واسترخت شاردة بأفكارها. ما هذه الحيرة؟ ماذا يحدث معها؟ هناك شيء خطأ لا تعرف كيف تضع يدها عليه، ربما بسبب الحادث لا تستطيع التذكر جيدًا.
هل يمكن أن تكون قد أخطأت؟ لم يكن يوسف؟ هل كان شخصًا يشبهه؟ كيف؟
كانت واثقة قبل الحادث،
كيف ليس هو؟ يتصرف كأنّه لا يعرفها، لماذا؟ تحسست قلبها هامسة لنفسها بمرارة، ماذا تريدين يا حمقاء؟ ألم تقولي أنّكِ تعلمتِ الدرس من رواء؟ ألم تنزعيه من رأسكِ وتدفنيه بعيدًا؟
كيف أعادت فتح دفاتر ذكرياتها المدفونة لتعيده للحياة؟ هل توهمت نظراته لها؟ هل توهمت رؤيته مرارًا قرب كشك زهورها؟ كيف؟
شعرت بصداعها يشتد فتوقفت عن إجهاد عقلها، لم تجد وقتًا للراحة حين اقتحمت طيف الغرفة بصخبها هاتفة بحماس
"انظري يا سمارا، هذه المرة ليست زنابق فقط"
خفق قلبها وهي تعتدل بانتباه، واقتربت طيف لتضع فوق ساقيها صندوقًا خفيفًا، حركت يدها المرتجفة فلامست بتلات الزنابق وهمست
"هل هي بيضاء؟"
ضحكت طيف
"كما تحبينها تمامًا"
ابتسمت بشحوب قبل أن تلامس كيسًا منتفخا فقطبت بحيرة، وأخبرتها طيف مشاكسة
"معجبكِ الغامض يعرف أنّكِ تعشقين غزل البنات أيضًا"
اهتز قلبها بقوة
"غزل بنات!"
لامست الكيس بابتسامة رقيقة بينما مدت طيف يدها لتختطف شيئًا من الصندوق
"آه، هناك بطاقة"
قبل أن تمنعها كانت تقرأها بصوتٍ مرتفع وبنبرة مسرحية
"كوني بخير دائما يا غيمة السكر"
ذهبت أنفاسها مع الكلمة وارتجف قلبها بعنف، وذكرى أخرى تنتفض حية في ذاكرتها
"أوووه... ما هذا؟ غيمة السكر"
رددت طيف بتسلية عابثة بينما ترتمي على الفراش بهيام مفتعل
"آه، قلبي الصغير لا يحتمل"
لم تسمع باقي كلامها بينما عقلها يسافر لسنوات بعيدة، للمرة الأولى التي سمعت فيها ذلك اللقب... غيمة السكر.
كان في ذلك اليوم الذي أخذتها رواء فيه لتلتقي بسالم علّها تتخلى عن غضبها وتتأكد من أنّه شخص جيد وصادق معها ورافقتها مرغمة لتتفاجأ أنّهما سيلتقيان بسالم وشقيقته الصغيرة في الملاهي.
يومها تحايل سالم وخدعها هي وشقيقته ليسرق رواء ويهربا لينفرد بها في أحد الألعاب المرتفعة وظلت هي مع نيروز المتجهمة.
*****
وقفتا تحدقان بحنق في إثرهما لتلتف لها نيروز بعدها بحدة ثم تركتها لتهفت من خلفها
"أين تذهبين؟"
التفتت لها هاتفة بشراسة
"وما شأنكِ أنتِ؟"
تراجعت مجفلة ثم قطبت قائلة
"ربما لا يجب أن نتبعد عن بعضنا حتى يعود شقيقكِ"
لوحت بكفها مرددة بعجرفة تمنت معها أن تكسر لها رأسها
"أنا لست صغيرة، اهتمي بشأنك يا هذه"
كزت على أسنانها وهي تراقب ابتعادها
"افعلي ما تريدين وما شأني أنا. عندما تتوهين لا تبدأي في البكاء"
تحركت لتجلس على أريكة خشبية قريبة ولم تستطع منع قلقها وهي تنظر في إثرها. ماذا لو حدث لها شيء؟ ربما هي فتاة حمقاء متعجرفة لكنّها صغيرة وربما أصابها مكروه.
أنّبها ضميرها فكادت تنهض وتلحق بها حين...
"لا تخافي .. لن يحدث لها شيء"
شهقت بفزع والتفتت جانبها بينما الصوت المألوف يواصل
"إنّها عفريتة"
قابلت عيناها المتسعتان وجهه وابتسامته التي اتسعت وهو ينظر في عينيها
"مرحبًا يا سمراء"
شهقت متراجعة بجزع
"من أنت؟"
قطبت حين رسم تعبيرًا حزينًا مفتعلًا
"لم تعرفيني؟ هذا يجرحني حقا، لم يمر بضع أيام على لقائنا"
مضت لحظات قبل أن تتسع عيناها أكثر وتهتف
"أنت ذلك الشاب الذي... لكن"
صمتت مقطبة وهي ترمقه وعادت تردد
"مهلًا .. لكنك، أنت... أنت لست"
سكتت ناظرة له بغيظ فهز كتفيه مبتسمًا
"أعتذر، كنت مضطرًا"
صاحت بعد ثوان عجزت فيها عن الرد
"يجب أن تخجل من نفسك"
"أعتذر عن كذبي لكن... صدقيني كانت مسألة حياة أو موت"
رمقته بحيرة قبل أن تنتبه للوضع، ما الذي تفعله؟ تجلس وتتحدث إلى شاب غريب بهذه الأريحية؟ هل فقدت عقلها؟ بدا الاتصال بين عقلها وجسدها بطيئًا بينما تحدق فيه، وازداد سوء الاتصال مع نظراته التي وترتها وجعلت قلبها يتسارع بشعور غريب وانقطع الاتصال كليًا حين ابتسم.
انتبهت حين وجدته يلوح بكفه أمام عينيها
"مرحبًا، سمراء. مرحبًا... أين ذهبت؟"
شتمت نفسها بحنق وجهته له سريعًا
"من أين تعرف اسمي؟"
ابتسم لها بغموض وغمز
"ستعرفين قريبًا"
تعلقت عيناه بشيء خلفها وكادت تلتفت لولا أن قال فجأة
"هل تسمحين؟"
اتسعت عيناها حين مد يده نحوها وقبل أن تصرخ أو تصفعه كان يتناول منها غيمة الحلوى التي نسيت أمرها.
"ماذا تفعل أيها الوقح؟ أعدها"
تراجع مبتعدًا عن يدها التي حاولت انتزاع الحلوى منه، واحتبست أنفاسها عندما عاد يبتسم
"أول مرة أرى غيمة سكر تأكل غزل بنات. هل تأكل الحلوى بعضها هذه الأيام؟"
توترت أعصابها أكثر وارتبكت، هل تغزل بها لتوه أم أنّها أساءت الفهم؟
أسرعت بغضب تنتزع الحلوى منه هاتفة
"لا تتواقح معي يا هذا وانهض من"
اقترب قليلًا منتزعًا نبضة من قلبها، وعيناه تأسران عينيها
"أنا لا أتواقح يا غيمة السكر، أنا أقر الحقيقة"
ازداد توترها وكادت تنهض مبتعدة عندما أكمل
"عندما رأيتكِ ذلك اليوم كنتِ تأكلين غزل بنات أيضًا، لا أظنني رأيت منظرًا أجمل من هذا في حياتي"
انتفضت واقفة وصاحت بغضب
"ابتعد عني قبل أن أصرخ وأطلب لك الأمن"
نهض بالمثل وابتسم بتسامح
"على الأقل عرفت شيئًا جديدًا عنكِ اليوم"
ازداد تخبط نبضها بينما يميل قليلًا آسرًا عينيها
"أنتِ رقيقة كغيمة سكر ملونة، وعندما تغضبين غيوم عينيكِ تعصف. أتساءل حقًا، كيف ستعصف غيومهما حين تعشقين؟"
اتسعت عيناها بصدمة مع وقاحته وتابع هو بابتسامة آسرة
"نلتقي قريبًا يا غيمتي"
قبل أن تمنحه الرد المناسب، رأته ينظر خلفها بقلق فالتفتت لتجد نيروز قادمة عن بعد بملامح متجهمة. عادت تلتفت له لتكمل شجارها لكنّ عينيها التقتا بالفراغ، تسارعت أنفاسها وهي تتلفت حولها بتوتر. هل كانت تتخيل؟
أطرقت رأسها لتجد يدها خاوية من الحلوى، سرقها دون أن تشعر. عادت تنظر حولها وقلبها ينبض بجنون، لم تكن تحلم. ذلك الوقح كان هنا فعلًا ، لكن من كان، ومن أين يعرفها.
قبضت يدها وهي تتوعده، المغازل الوقح... السارق. تذكرت خدعته لها في المتجر قبل أيام فهمست بحنق
"المخادع الأحمق"
*******
"إمممـ... ليس هناك توقيع هذه المرة أيضًا"
انتبهت لواقعها على صوت طيف الحائر فتنهدت بحرارة، لم تعد في حاجة لتوقيع.
من سواه ناداها بغيمة السكر ومن غيره يعرف ذلك اللقب؟ بقي فقط أن تفهم، لماذا يتصرف معها كما لو كان مصابًا بانفصام؟ أو كما لو كان هو من أُصيب في الحادث وتشتت ذاكرته...
تارة يذكرها وتارة لا.
************
"ما الذي حدث لكل هذا نيروز؟"
زفرت نيروز وهي تستمع لصديقتها عبر الهاتف وردت وهي تسند ظهرها للحائط
"بالله عليكِ يا نهلة، أغلقي هذا الموضوع، لا أحب الحديث فيه"
عادت نهلة بإصرار
"نيروز، لم أعهدكِ تتصرفين بهذا العداء مع أحدهم، كما أنّ طيف فتاة لطيفة جداً و..."
قاطعتها بضيق
"نهلة، أرجوكِ، لا تذكري هذه الفتاة أمامي مجدداً، هذه السيرة تسبب لي الصداع"
تنهدت صديقتها بقلة حيلة
"لو تخبريني فقط ماذا هناك، حتى طيف ترفض الحديث مع لبنى بخصوص..."
"إنّها قصة طويلة، ربما أخبركِ لاحقاً لكن حقاً... رجاءً لا تفتحي سيرتها معي مرة أخرى"
"حسناً يا نيروز، كما تريدين"
تمتمت نهلة باستسلام قبل أن تسألها
"هل ستأتين للكلية غداً؟"
زفرت وهي تخرج علبة سجائرها من جيبها
"ﻻ أعرف، لا مزاج لديّ حقاً"
وأشعلت السيجارة وهي تتطلع لسماء الليل فوقها
"ربما أغير رأيي في الغد، لا تشغلي بالكِ بي"
"تمام... ماذا أفعل، ولدي صديقة عنيدة كالثيران"
ابتسمت باستخفاف ولم ترد فتنهدت نهلة
"أمري لله، هيا تصبحين على خير"
ودعتها وأغلقت الهاتف وعيناها ما زالتا معلقتين بالسماء. أسندت رأسها للحائط بينما تجلس على أرضية السطح الذي صعدت إليه هرباً من جحيم أفكارها.
دخنت سيجارتها بحرقة تشتعل بقلبها بينما تتذكر تلك الفترة الكئيبة من حياتها، حين أخبرها سالم عن الفتاة التي يحبه. لقد كرهتها وغارت منها قبل أن تراها، الطريقة التي كان يتحدث بها عنها ويصفها، عيناه اللتان كانتا تلمعان بمجرد ذكرها، ورؤيتها زادتها كراهيةً وغيرة.
زفرت الدخان حاملاً معه مرارة أفكارها وحرقتها، هل كان قلبها يشعر أنّها ستجلب الدمار لبيتهم، أم أنّها غارت على سالم وحسب؟ أياً كان... كانت محقة والآن صار لديها سبب أكثر عمقاً لتكرهها وترفض عودتها لحياتهم مرة أخرى.
غرست أظافرها في ساقها المضمومة إلى صدرها بينما تتذكر حديثها مع يوسف الذي حاصرته باستجوابها بعد مواجهتها مع طيف
"لن أكون نيروز المنصوري لو سمحت لشقيقتكِ السخيفة بالعودة لحياته مجدداً"
توعدت وهي تستعيد كلام يوسف عن شقيقهما الذي عاد ليقع أسيراً لمشاعره ويبدو واضحاً أنّه لن يتركها هذه المرة وسيتزوجها عاجلاً أو آجلاً
"لن أسمح بهذا، لن تدخل بيت المنصوري مهما حدث"
همست وعقلها يبحث عن أفكار تضع بها حداً لرغبة شقيقها وإفساد مخططه.
توقفت أفكارها حين سمعت خطوات تقترب من مخبئها فأسرعت تطفئ سيجارتها بالحائط في اللحظة التي ظهر فيه جسد المتطفل على خلوتها.
بدا أنّه تفاجأ بوجودها قبل أن يتمتم ساخراً
"توقعت أن أجد مكاني خالياً"
رمقته بحقد وتجاهلت شحوبه الواضح وعينيه الذابلتين
"لم أعرف أنّك كتبته باسمك"
تطلع إيهاب حوله ماسحاً بعينيه سطح السراي ثم متطلعاً للبعيد حيث الأسوار، وعاد بعد برهة إلى نيروز والركن الذي كان أحد أماكن لعبهم، كانوا يلجأون إليه في صغرهم حين يجدون وقتاً ليتسللوا ويعيشوا طفولتهم أو وقت أن يغيب جدهم عن البيت، هو وأسامة ثم تطفلت عليهما نيروز والتصقت بهما.
طرد أفكاره ليخبرها بسخرية
"يبدو أنّكِ من فعلتِ وظننتِه حكراً عليكِ"
نهضت متأففة وتحركت لتتجاوزه، توقفت حين سمعته يقول بشيء من السخرية المريرة بينما يقف عند السور
"أتساءل حقاً ماذا سيحدث إن قرر أحدهم القفز من هنا"
التفتت في صمت لتراه يحدق بالأسفل بشرود
"كيف سيشعر؟ تُرى هل سينتهي كل شيء؟ سيتعذب خلال الثوان التي يستغرقها سقوطه أم سيكون مشغولاً باسترجاع شريط حياته؟ هل يموت سريعاً؟"
تمتم وكأنّه نسي وجودها بينما يلتصق بالسور حتى شعرت أنّه سينفذ أفكاره المجنونة. كلا، لن تشفق عليه، إنّه يستحق.
غلّظت قلبها لترد بخشونة
"لا تقلق، السيئون أمثالك يعيشون طويلاً. لن يحدث لك شيء إن رميت نفسك من هنا"
التفت يواجهها بنظراته الباهتة قبل أن يبتسم بتهكم مرير
"تغيرتِ كثيراً يا نيروز، صار لسانكِ يضرب كالسوط. أصبحتِ قاسية للغاية، تعلمين؟"
شدت جسدها مرددة بكراهية
"لديّ أستاذان بارعان"
"هل من المفترض أنني أحدهما؟"
سأل ساخراً فأشاحت بوجهها مردفة
"أنت وسالم علمتماني أنّ لا أحد يستحق أن أثق به سوى نفسي. كنتما أستاذين في القسوة والخيانة فلا تلوماني الآن، أنا رد فعل لكما لا أكثر"
صمت دون رد وخانته نظراته المتألمة، ابتسمت بشماتة لمحها فابتسم قائلًا
"لا تتحدثي من برجكِ العالي، ما دمتِ لم تكوني مكان أحدنا فلا تتحدثي بهذه المثالية"
قبضت كفها تخبره ببرود
"لست في حاجة لأكون مكان أحدكما، لا شيء يبرر ما فعلتماه ولن أسامحكما أبداً"
عادت لتتحرك، فأوقفتها من جديد كلماته الميتة
"أسأل الله ألا تكوني مكاننا يوماً، لا أتمنى حتى لعدوي أن يعيش هذا العذاب"
لم تلتفت، بقيت في مكانها ثانية، اثنتين، وعشرة، قبل أن تلتفت له وتقول ببرود أشد
"ﻻ تعتقد أنني سأشفق عليك، هذا العذاب أنت تستحقه. كل ثانية منه تستحقها وأنا أدعو أن تظل تحترق فيه للنهاية"
تواجهت نظراتهما في صمت، كانت تدرك أنّ طعنتها خسيسة وقد أصابت هدفها، لكن طعنته لها كانت الأسوأ وصدمتها فيه كانت أسوأ حتى من يوم استيقظت لتجد سالم قد رحل.
كان صديقها يوماً وتعرف أنّ قلبه ينزف الآن بسبب كلماتها، عادت ذكرى اليوم الذي صُدِمت فيه بحقيقته لتصفع قلبها تفيقه من لحظة شفقة خائنة. أخبرته بجمود قبل أن تعطيه ظهرها وترحل
"هذا الجحيم أنت فتحته على نفسك ولن يتوقف حتى تدفع ثمن ذنبك... حظاً موفقاً"
*************
ما أن اختفت عن ناظريه حتى عاد يلتفت ناظرًا خارج السور
"صرتِ أكثر من قاسية يا نيروز"
وتنهد متطلعاً للأسفل
"لكنّكِ محقة، أنا أستحق كل ثانية من هذا الجحيم"
مال بجسده بدرجة خطرة مردفا بألم
"لكنّكِ لا تعرفين، هذا الجحيم أقسى بكثير من ذنبي، أدفع الثمن منذ سنوات لكن يبدو أنّه لا خلاص"
هو فتح هذا الباب على نفسه حين سيطرت عليه رغبته في الانتقام من جده، لم يعرف أنه كان يدرك غايته طيلة الوقت ويعلم نواياه. كان يتلاعب به ويستغله حتى يحقق غايته وبعدها عاقبه بنفس الطريقة.
طرد الذكرى بمرارتها وعاد بناظريه يتطلع للأرض الصلبة بالأسفل، تُرى هل ينتهي عذابه إن سقط من هنا؟
ضحك عقله ساخراً، نعم بالتأكيد لكنّك ستنتقل لعذاب أدهى وأمّر، لو كان الموت ينتهي إلى العدم لتخلص من حياته منذ وقت طويل.
"إيهاب، ماذا تفعل؟ هل جننت؟"
انتفض فاتحاً عينيه، وقبضة قوية تشده للخلف، التفت ليجد أسامة يهتف غاضباً
"أنت أحمق؟ كنت على وشك السقوط أيها الغبي"
استغرق بضع لحظات ليستوعب، وقاوم ليضحك بافتعال
"ما بك يا أسامة؟ أنت من كاد يتسبب في سقوطي يا رجل"
قطب أسامة يتأمله في بشك فربت على كتفه
"لا تقلق، لم أفقد عقلي بعد لأنتحر، عندما أقرر سآخذ مسدس جدي من مكتبه وأطلق عليه النار أولاً قبل أن أفجر رأسي"
أغمض أسامة عينيه لوهلة قبل أن يفتحهما ينظر إليه مقطباً، ودون سابق إنذار هوى على فكه بلكمة قوية، تأوه إيهاب هاتفًا
"تباً يا أسامة، ماذا دهاك؟"
أجابه ببرود
"كنت أعيد إليك عقلك فمن الواضح أنّك على وشك فقدانه"
دلك فكه وهو يرمقه بحنق
"هل قررت التخصص في علاج مرضى العقول هذه الأيام؟ وبماذا؟ بلكمهم هكذا؟"
وضربه على كتفه مكملاً
"نصيحة مني، علاجك فاشل، لا تفعلها مع غيري حتى لا تخسر عظامك. أنا أسامحك فقط لأنّك أخي الكبير"
ابتسم بسماجة
"هذا على أساس أنّك تستطيع ردها؟"
"بالطبع"
قالها موجهًا قبضته نحو أسامة الذي تفاداها بسرعة وعاد يلكمه أخرى تلقاها على ساعده.
ابتسم إيهاب وهو يقفز للخلف متفادياً أخرى
"إذن تريد العراك؟ لك هذا"
وشمر أكمامه، ليهز أسامة رأسه مبتسماً بينما إيهاب يتخذ وضعية قتالية
"هيا، أنا مستعد"
اقترب أسامة وأحاط رقبته بساعده يشده للأسفل بقوة
"اسمع يا إيهاب، أنا أشفق عليك يا ابني. داخلي شحنة قوية لا أريد أن أفرغها فيك، سأحطم كل عظامك"
لكمه إيهاب في جنبه
"لا تكن جباناً... ثم لا تقلق، أنا بداخلي شحنة أشد خطورة منك"
رمقه لحظات ثم دفعه بعيداً وشد جسده قائلاً
"وهذا بالضبط ما أتيت لأتحدث معك بشأنه"
ابتعد إيهاب نحو السور وهو يرتب ملابسه
"ﻻ أفهم"
قال مراوغاً فاقترب أسامة ليقف جواره
"ﻻ تدعي الغباء، ولا تظن أنّك قد خدعتني ذلك اليوم في شقتك. لقد سمحت لك بالتهرب فقط لأنك كنت متعباً ولم أشأ أن أثقل عليك"
التفت إليه قائلاً بمرح مفتعل
"ﻻ تكبر المواضيع يا أسامة، بعض المشاكل وسأتجاوزها إن شاء الله"
وتجنب نظراته المتفحصة بينما ينزل ليجلس أرضاً مسنداً ظهره للسور
"أنا بخير، لا تقلق"
ظل أسامة على صمته قليلاً ينظر للخارج قبل أن يجلس جواره مرددا بأسى
"يبدو أنّه مهما فعلت لن تثق بي كُليًا يا إيهاب"
رفع إيهاب عينيه نحوه بوجل
"أنا ممتنٌ أنك منحتني صداقتك وأخوتك كل هذه السنين لكن داخلي شعور أنني لم أنل ثقتك كاملة"
"أنت تتوهم يا أسامة، تعرف مكانتك عندي جيداً"
التفت يرمقه مليًا
"حقاً؟"
أومأ إيهاب فأكمل أسامة
"لماذا أشعر إذن أنّك تغلق جزءا كبيرا من قلبك عني؟"
ابتسم ساخراً
"على أساس أنّك أنت نفسك أخبرتني كل ما بقلبك يا أسامة؟"
كان دوره ليتراجع بارتباك
"أرأيت؟ أنت نفسك تكتم قلبك على سرٍ كبير ولم تخبر أحدًا به حتى أنا. لم ألح عليك رغم أنّك مفضوحٌ أمامي"
خفض أسامة عينيه وتنهد
"أنت محق، من حقك الاحتفاظ بما تريد من أسرار، كل ما أردته الاطمئنان عليك فحسب"
"أسامة، آسف حقًا"
التفت أسامة يرمقه بتوجس
"صدقني الأمر لا يستحق أن تشغل بالك به، مشكلة خاصة وسأحلها قريبًا"
واصل تفحصه القلق، فأطرق إيهاب خوفًا من أن يقرأ شيئًا في عينيه، قال أسامة بعد برهة تردد
"إيهاب، هناك ما أريد سؤالك عنه"
كاد قلبه يتوقف وقاوم ليتحكم في ملامحه
"ما الأمر؟"
"هل تتذكر خطيبتك السابقة؟"
ضربه على كتفه هاتفاً بمرح مفتعل
"لماذا تقلب عليّ المواجع يا رجل؟ ما صدقت أنني هربت بجلدي منها وأنّ جدي لم يلح عليّ لإتمام تلك الخطبة السخيفة؟"
رفع أحد حاجبيه بسخرية
"أُقلِب عليك المواجع؟ من يراك الآن لا يرى لهفتك على خطبتها قديما؟ ظننتك وقعت في عشقها من أول نظرة"
ضحك مردداً
"أنا؟ حاشا لله، كنت أسبك الدور حتى يقتنع جدي أنني نزلت عند أمره حتى أجد مخرجاً لي"
وغمز مردفاً بعبث
"أنا كالطير الحر يا رجل، لن أسمح لامرأة بتقييدي"
رمقه أسامة بنظرة تخبره أنّ كذبته لم تنطل عليه ثم ابتسم بأسف
"كنت محقاً إذن عندما لم أصدق أنّك من طلب من جدي خطبتها لك"
"لقد وعدته قبل سفري، كان هذا شرطه عندما أردت السفر"
ابتسم أسامة ساخراً
"هل تريدني أن أصدق أنّك وعدته بهذه البساطة؟"
هز كتفيه دون رد وران عليهما الصمت قليلاً قبل أن يسأله إيهاب
"إذن... لماذا كنت تسأل عن المتعوسة خطيبتي السابقة؟"
رمقه بعتب ثم نظر أمامه شارداً
"لا شيء، صادفتها قبل أيام... كانت فتاة لطيفة بالمناسبة"
"يا رجل، قل شيئاً غير هذا. لقد أحالت حياتي جحيماً أثناء خطبتنا"
ردد إيهاب بنزق، فغمغم أسامة
"ربما لأنّها كانت تطمع في شيء أنت لا تملك منحها إياه؟"
ارتجف قلبه بوجل بينما أسامة يتأمله بتدقيق
"هل حاولت أن تحبها قليلاً؟"
شحب وجهه قبل أن يردد بمرح زائف كُلياً
"لم أفكر حقيقةً، ربما فكرة أنّها كانت مفروضة عليّ هي ما وضعت حاجزاً بيننا"
أطرق أسامة غارقاً في أفكاره الخاصة وقطب إيهاب بتوجس، لا يعرف لماذا يوتره أسامة وما يدور بعقله؟ ما الداعي لفتح هذه الأمور القديمة و...
"إذن أنت لم تحبها فقط لهذا السبب؟"
انتبه على سؤاله الذي أكمله وهو ينظر في عينيه
"أم لأنّ قلبك كان ملك أخرى مسبقاً؟"
احتبست أنفاسه وزاد شحوبه، ما الذي يقوله؟ هو لم يخبر أسامة يوماً عن حبه لأي فتاة، ربما لأنّه كان خائفاً، أو لأنّه كان يظنه حباً من ناحيته وحده؟
وربما خشي أن يمنح سره لأي شخص حتى أسامة فيصل إلى جده مثلما حدث مع سالم بسبب...
"لماذا لا ترد؟"
هز رأسه منتبهاً وابتسم مرواغاً
"هل تعرف عني هذه الحماقات؟ ألا تعرف أنني آخر شخص يصلح للحب؟"
وغامت عيناه وهو يردف
"أي مستقبل سيمنحه لامرأة، رجل مثلي تملأه هواجس ماضيه وكوابيسه وعقده الخاصة؟"
قطب أسامة مستنكراً بينما إيهاب يكمل ساخراً
"وإلى أي عائلة سأحضرها؟ في رأيي أي شخص يتزوج في عائلتنا المحترمة هذه هو شخص بائس حكمت عليه الأقدار بالتعاسة لباقي حياته؟"
****
شحب أسامة وهو يشرد بتفكيره إلى تارا، وأسرع عقله ينفي، لم يكن هو السبب، هي اختارت وفضلت تجاهل كل الإشارات التي منحها إياها.
أحياناً كان يشعر أنّ إصراراً عجيباً يدفعها لتكمل الخطبة، كأنما تهرب من شيءٍ ما إليه، تتخذه ملجأً وهو لم يكن في وضعٍ يسمح له أن يكون ملجأً لأحد.
كان في جحيمه الخاص وخناقه بيد جده يضيقه عليه أكثر وأكثر، كان مجبراً ولم يستطع حتى إخبارها بتهديد من جده، عندما يخيره جده بين إتمام الزواج وحياة الفتاة التي يحبها، بل ويثبت له بالدليل قدرته على إيذائها، ماذا كان عليه أن يختار؟
كان عليه أن يرضخ داعياً أن تشعر بالخلل، أن تدرك بحدسها الأنثوي أنّه لا يحبها ولا يراها أصلاً، لكنّها تعامت عن كل شيء وأصرت على المضي حتى ليلة الزفاف، حين انهارت مقاومته بعد كل الضغوط التي رزح تحتها لأشهر.
"أسامة؟ .. أين ذهبت؟"
انتزعه إيهاب من شروده وهو يتأمله بقلق فهز رأسه هامسًا
"ﻻ شيء، كنت أفكر في كلامك. أنت محق... يبدو أنّ الحزن والتعاسة كُتبا في قدر هذا البيت وكل من يدخله، ربما حتى نهايتنا جميعاً"
ابتسم إيهاب بسخرية
"من يدري؟ ربما نحصل على حريتنا بعد أن يرحل المستبد"
هز رأسه نفياً
"هذا السراي كان هكذا قبل أن نولد بسنين طويلة، مستبد يصنع مستبداً ليحكم من بعده"
وتنهد بمرارة يشعرانها معاً
"جدنا الأكبر سلّمها لابنه وهو من بعده سلّم الراية لجدي، نفس القسوة والتجبر والسيطرة"
ران الصمت قليلاً قبل أن يتابع بحسرة
"وجدي لن يرحل قبل أن يسلم الراية لأحدنا وأنت تعرف جيداً من اختار"
*****
أطرق إيهاب مختنقًا بذلك الشعور القديم والذي تزايد حين ردد أسامة بعد برهة
"أنت لم تره وهو يضرب ذلك القذر الذي آذى فلك، أخبرك الصدق يا إيهاب... لقد ارتعبت حقاً، لوهلة شعرت"
صمت بحثاً عن كلمات بينما اختناق إيهاب يتزايد
"شعرت أنّه تحول لشخص آخر، غضبه كان وحشياً مجنوناً، لقد نسي نفسه تماماً... أنا غاضب منه أعترف لكنني لحظتها أشفقت عليه"
رفع إيهاب عينيه المريرتين له
"أتساءل ما الذي مر به في الخارج ليصبح هكذا... هل تعرف شيئاً؟"
"ماذا؟"
سأله بتحشرج فرد أسامة
"أشعر أنّ جدي يقترب كل يوم من هدفه، لقد أعاد سالم وسلمه الشركة يتصرف فيها كيفما شاء، ولا أدري ماذا عرض عليه ليوافق سالم على العودة. وأيضاً تصرفه الأخير ورد فعله على ما فعله سالم. شعرت أنّه..."
تنهد بحرارة قبل أن يتابع
"ﻻ أعرف، لدي إحساس أنّه طيلة السنوات الماضية كان يتلاعب بسالم، هجرته وحياته هناك والتي يعلم الله وحده كيف كانت، أشعر أنّ كل هذا كان ضمن مخطط جدي ليصنع منه الشخص الذي يريده"
ابتسم إيهاب بمرارة وتمتم
"وبعدها يتولى سالم الجديد حكمنا بالحديد والنار من بعده، ويحكم أبناءنا وأحفادنا ربما"
وقاوم إحساسه المرير بالذنب ليضحك
"ياه يا رجل، هل تعرف؟ منحتني الآن دافعاً قوياً حتى لا أتزوج أو أنجب أطفالاً"
وغمز له مردفاً
"ربما تنتهي لعنة المنصوري عندما ينتهي نسله ولا يعود هناك من يحمل ميراث القسوة جيلاً بعد جيل"
ران الصمت عليهما وكل منهما يغرق في أفكاره، إيهاب يفكر في خطيئته التي ارتكبها مندفعاً خلف انتقامه، وأسامة يفكر في ابنته الوحيدة، يخشى أن تبهت وتملأها العقد كما حدث معهم جميعاً، أن تتحطم أحلامها بينما لا يملك الهرب بها بعيداً عن هذا الجحيم. ماذا عن....
اختلس النظر لإيهاب وملامحه المتعبة ثم ردد
"إيهاب، هناك ما أريد سؤالك عنه وأريدك أن تجيبني بصدق؟"
"ما بك؟ ما هذه النظرات؟ أنت تخيفني"
قال بتهكم يواري توتره فقال أسامة بعد لحظة تردد
"هناك أمر يشغلني منذ مدة طويلة ولست متأكداً إذا ما..."
توقف مع رنين الهاتف وقطب بضيق ناظراً لإيهاب الذي تنهد بارتياح وأسرع يلتقط منقذه
"عذراً، ربما تكون مكالمة هامة"
لمح اسم كارمن وابتسم ممتناً لها، رمقه أسامة بشك فأشار له غامزاً
"مكالمة هامة وفاتنة جداً"
وأسرع يجيب
"مرحباً كارمن، لا، لم أنم بعد، لا تقلقي"
استمع لها مبتسماً تحت أنظار أسامة المتفحصة
"بالطبع، هل هذا سؤال؟ آه، بالطبع أتذكر... سأمر عليكِ في الموعد... وأنا كذلك"
صمت قليلاً قبل أن يخبرها بابتسامة واسعة
"حسناً... أحلاماً سعيدة"
ودعها وأغلق الهاتف والتفت له بنفس الابتسامة
"إنّها كارمن عزمي"
"أعرف أنّها كارمن"
أخبره لاوياً شفتيه ثم أردف
"السؤال هو... ماذا يجري بينكما؟ لا أتذكر أنّ هناك موعداً خاصاً بالعمل هذا الأسبوع"
ضحك ضارباً كتفه ثم نهض مردداً
"وما شأن العمل؟ إنّه موعد خاص"
وغمز متابعاً بنبرة خاصة
"خاص جداً"
ضاقت عيناه وقال بتحذير
"إيهاب، لا تخلط العمل بنزوات جانبية لا داعي لها"
"أي نزوات يا رجل؟"
هتف معترضا وأضاف
"ﻻ تقلق، غرضي شريف تماماً"
مط أسامة شفتيه
"ماذا عن قرار عدم الزواج والإنجاب الذي لم يمض عليه دقائق؟"
ضحك مجيباً
"من تحدث عن الزواج؟ إنّه موعد مع فتاة جميلة. قصدت أنني لا أحمل نوايا خبيثة تجاهها ولا أنوي تجاوز أي حدود"
زفر أسامة ونهض واقفاً
"أرجو أن تكون مدركاً أين تخطو قدماك قبل أن تتورط ولا تستطيع التراجع بعد فوات الأوان"
قالها وربت على كتفه وأردف
"سأذهب للنوم فقد تعبت كثيراً اليوم. تصبح على خير"
تمتم إيهاب وهو يتابع انصرافه
"وأنت من أهل الخير يا أخي"
لم يكد يختفي عن ناظريه حتى أسقط إيهاب قناع مرحه وعاد ينظر للهاتف وكلمات أسامة ترن في عقله، هل يورط نفسه حقا؟ هل يبحث مع كارمن عن السلوى أم يتخذها مهرباً من حبه المؤلم؟
همس بتثاقل وهو يعاود النظر في إثر أسامة
"ليتني كنت أستطيع الاعتراف لك... لكن كيف أخبرك، كيف أنطقها يا أخي؟"
وعاد ليجلس مطرقًا، ويضع رأسه بين كفيه مغمغماً بيأس
"الرحمة من عندك يا رب. ساعدني، انزعها من داخلي أو امنحني مخرجاً من هذا الجحيم. الرحمة يا ربي"
************
اقتربت جميلة بخطى هادئة، تحمل صينية عليها فنجانين من الشاي، نظرت بأسى لرواء الجالسة في الشرفة بشرود وعرفت أنّها غرقت في إحدى نوباتها التي صارت تعتريها مؤخرًا وبكثرة.
وضعت الصينية وجلست على الكرسي المقابل، مدت يدها تلامس كتف رواء برفق حين لم تنتبه لها
"رواء، ابنتي"
انتفضت منتبهة
"أمي! ماذا هناك؟ هل حدث شيء؟"
"ﻻ يا حبيبتي، سمعتكِ تقولين لطيف أنّكِ تعانين من الصداع فصنعت فنجانين من الشاي وأتيت لنشربهما سويًا"
نظرت للصينية بصمت وتمتمت
"لماذا أتعبتِ نفسكِ أمي؟ كنتِ ناديني لأصنعه أنا"
ربتت على ساقها بحنان
"وما الفرق حبيبتي؟ لقد تعبتِ في تحضير الغداء"
ابتسمت بشحوب بينما ناولتها جميلة الفنجان وهي تواصل نظراتها الحذرة إليها
"هل أخبرتكِ طيف بأي شيء؟"
اختفت ابتسامتها فتأكدت جميلة من شكوكها، لا بد أنّ ابنتها طويلة اللسان أخبرتها بزيارة سالم، هل سمعته وهو يؤكد عليها طلبه أن يقابل والدها؟
"ماذا ستخبرني يا أمي؟ تعرفين ابنتكِ ثرثارة وأنا رأسي كان يؤلمني أساسًا ولم أكن في حال تسمح بالاستماع لكل ثرثرتها"
وضحكت بافتعال واضح لجميلة التي تنهدت بأسف
"تعرفينها عندما تبدأ في الحكايات، لا تتوقف حتى تنفجر رأسي"
ارتشفت جميلة الشاي بصمت وهي تومئ، كانت مترددة تبحث عن طريقة تفتح معها الحديث. لقد وعدته وقلبها رغم كل ما حدث يتعاطف معه ومثل سمراء تأمل أن يكون هو الدواء الذي سيعيد ابنتها القديمة، ابنتها التي تفتقدها بشدة
"رواء"
نادتها وهي تضع الفنجان فنظرت رواء بحذر
"أريد التحدث معكِ في شيء ولا أريدكِ أن تغضبي أو تنفعلي. اسمعيني بهدوء حتى أنتهي"
توترت في جلستها وأعادت الفنجان بدورها
"أمي، أرجوكِ.. لو كان ما أفكر فيه، فرجاءً لا تقولي شيئًا"
"رواء، قلت لا تنفعلي واسمعيني للآخر"
تمتمت بصوت أدركت جميلة منه أنّ فرصتها معها ليست جيدة
"أمي أنا لا أنفعل، أنا أطلب فقط أن تتفهمي رغبتي. إن كنتِ ستتحدثين عن سـ... عن ذلك الرجل"
مطت جميلة شفتها بيأس
"رجاءً لا تذكريه أمامي، لو كنتِ تحبينني رجاءً لا تأتي بسيرته أبدًا"
"حتى متى يا رواء؟"
سألت بانفعال
"حتى متى ماذا يا أمي؟"
"حتى متى تستمرين في الهرب؟"
ونهضت هاتفة بحدة
"أنا لا أهرب، أنا أريد أن أعيش حياتي في هدوء"
"اجلسي يا رواء، قلت لا تنفعلي ولا تتهربي"
التفتت لها تهتف بانفعال أشد
"قلت لا أهرب ولا أريد الحديث عن هذا الأمر ولا سماع أي شيء يخصه يا أمي، أبدًا"
رمقتها جميلة بإشفاق ثم نهضت مقتربة منها
"هل تعتقدين أنّ هذا هو الحل؟"
أغمضت بتعب
"أمي، أرجوكِ . أنا لا أبحث عن حلٍ لشيء، جروحي القديمة انغلقت بصعوبة، إن عادت لتنزف سأموت حقًا هذه المرة"
اهتز قلبها بجزع
"بعد الشر عنكِ يا ابنتي"
"إذن توقفي إن كنتِ تخافين عليّ"
شدتها إلى حضنها فارتجفت رواء، وشعرت بها تريد أن تبتعد كأنها تريد حرمان نفسها كالعادة من الدفء والحنان الذي ترى نفسها لا تستحقه.
"أنا أخاف عليكِ يا رواء، أخاف وقلبي يأكلني عليكِ يا ابنتي. أريد أن أطمئن عليكِ"
حاولت الابتعاد لكنّها ضمتها أكثر فهمست بوجع
"اطمئني عليّ، أنا بخير"
"لستِ بخير، أتعتقدين أنني لا أشعر بكِ"
"أرجوكِ يا أمي، لا تضغطي على جروحي أكثر. أنا أصلًا أقاوم حتى لا تفتح من جديد، كنت قد نسيت كل شيء"
كانت تعرف أنّها كاذبة وجميلة أيضًا كانت تعرف لكنّها ضمتها في صمت ومواساة
"لن أسمح له بإعادتي للوراء ولن أجعله يحطم كل ما بنيته"
أرادت أن تخبرها أنّها تريده أن يعيدها للوراء، تريد نسختها القديمة، تريده أن يحطم الجدار الذي بنته.
تعرف أنّها قطعت عهدًا على نفسها ألا تتزوج ورفضت كل من تقدم لخطبتها، تعرف أنّها ستظل مغلقة على قلبها وجروحها حتى النهاية وهي لا تريد هذا.
لن تسمح لها بهذا، ستفعل كل شيء لتخرجها من تلك الدوامة. قلبها يخبرها أنّ سالم هذه المرة سيفعل المستحيل من أجلها وما حدث في الماضي لن يتكرر. لكن كيف تفعل هذا؟ كيف تقنع ابنتها وزوجها بمنحه الفرصة؟
****************
التقطت سمية فنجان قهوتها بينما تتابع حفيدتها تلعب وسط الزهور وتنهدت بحرارة، كم هي مشفقة عليها وتخشى المستقبل بشدة. يومًا كان أولادها مثلها، يكبرون غافلين ولم تلبث الأحزان أن سرقتهم، وغرق كل واحدٌ منهم في تعاسته وألمه.
كل واحد انغلق أكثر على قلبه حتى عنها هي... سالم الذي عاد بعد غياب سنين، ظل منطويًا على نفسه متباعدًا كأنّه لم يعد، حتى وقت خطبته لوتين كانت تشعر أنّه ما زال مهاجرًا، ولولا عودة رواء إلى حياته ما كان فتح لها قلبه.
إيهاب هو الآخر لا يمكنها إجباره على اعتبارها أمه، خاصًة بعد الطريقة التي فقدها بها، قلبه مغلق منذ الحادث.
يوسف غارق في عالمه الخاص كعادته، ونيروز...
تنهدت بألم مع ذكرها، كبرت قبل الأوان ورحيل سالم كسرها، ما زالت تذكر الليالي الطويلة التي بكتها معتصمة في غرفته تصر أنّه سيعود ولن يتركها مثلما فعل أبوها.
مع مرور الوقت فقدت الأمل ولم تعد تتحدث عنه، سنة بعد أخرى كانت تنطوي على نفسها عن الجميع حتى عن إيهاب.
عادت ببصرها إلى لي لي وعقلها يشرد إلى أبيها، ربما أسامة أكثرهم انغلاقًا وتشعر أنّه يخفي في قلبه جرحًا كبيرًا، قلبها يؤلمها بشدة من أجله، تعرف أنّه تعيس مع زوجته.
كلاهما تعيس، منذ أول يوم في زواجهما، لا، بل منذ أجبره جده على خطبتها.
تحسست قلبها بألم، ليتها لم تكن بهذا الضعف أمام عمها، ليتها كانت تحمل ولو بعضًا من قوة حماتها، لكنّها نشأت في حماه منذ صغرها، تربت على طاعته والخوف منه ومن قبله جدها.
وماذا فعلت حماتها بكل تمردها وقوتها وكبريائها؟ انكسرت وانعزلت عن الكل، لا أحد يستطيع الوقوف في وجه كبير المنصوري.
من يتسلم الراية يملك قياد الجميع ويحكمهم بالخوف وكم تخشى على سالم من ذلك اليوم الذي سيجبره جده على حمل الراية بعده؟
لقد حمدت الله رغم ألمها الشديد يوم رحل، احتملت على أمل أن ينجو من هذا المصير، على رجاء ألا تراه يومًا بقسوة جده، احتملت من أجل أن يُشفى قلبه.
لكن حماها أجج مخاوفها في الحال فور أن نقل وجهة هدفه إلى أسامة.
وكأنما استدعته بتفكيرها، انتبهت على هتاف حفيدتها السعيد
"بابا"
تأملتهما بحنان دون أن تغفل عيناها مسحة الحزن على ملامحه بينما يرفع ابنته ليحتضنها بحب
"زنبقتي الحلوة... آه، كم اشتفت لكِ"
لفت ذراعيها حول عنقه تقبل خده
"وأنا أيضًا، هل أحضرت لي هديتي؟"
ضحك وهو ينزلها أرضًا
"طبعًا يا أميرتي"
ومال يلتقط حقيبة ورقية كبيرة قدمها لها
"ها هي، لكن كما اتفقنا... لن تأكليها كلها"
لمعت عيناها وهي تفتح الحقيبة وأسرعت إلى جوار سمية تخرج محتوياتها بانبهار وتضعها على الطاولة
"انظري يا تيتا، ماذا أحضر لي بابا؟"
ضحكت سمية وقالت محدثة إياه
"ستصيب تارا بأزمة قلبية حين ترى كل هذه الحلويات"
ابتسم متأملًا صغيرته التي صفقت بسعادة وهي تخرج كيسًا كبيرًا يحوي غيمة كبيرة وردية
"غزل بنات"
ابتسم بشحوب بينما تتقافز صارخة
"شكرًا بابا كم أحبك، سأذهب لأغيظ نيرو"
ضحكت سمية وهي تتابعها تقفز مبتعدة ناسية خلفها باقي أكياس الشوكولا والسكاكر. عينا أسامة لم تفارقا غيمة السكر الوردية بأسى انتبهت له سمية فصمتت قليلًا
"أسامة بني"
التفت منتبهًا
"نعم يا أمي"
"أما زلت غاضبًا من سالم؟ ألا تنوي الحديث معه؟"
غامت عيناه ولم يرد
"إنّه أخوك الكبير"
"وماذا يفترض بي أن أفعل حيال هذا؟"
سألها بمرارة فأخبرته بألم
"حتى الكبار يخطئون يا بني. تحدث معه، إنّه يحاول منذ فترة لكنّك لا تمنحه فرصة"
تنهد بقوة ثم همس مطأطئًا
"ﻻ تقلقي بشأننا يا أمي، كما قلتِ هو أخي الكبير، الوقت سيحل كل شيء"
وقاطعها قبل أن تواصل
"سأذهب لأرتاح قليلًا فأنا متعب"
مطت شفتيها بأسى وأومأت باستسلام، وهمست وعيناها تتبعانه بحزن
"خفف الله عن قلبك يا حبيبي"
اتجه هو مباشرة إلى جناحه بتثاقل يتدفق من قلبه الحزين، لم يستطع اليوم أيضًا رؤيتها ولا الاطمئنان عليها ولو من بعيد، يؤلمه أن يراها أخواه بينما هو عاجزٌ عن الاقتراب منها، وبأي صفة سيقترب؟
تنهد بحرارة وهو يدخل غرفته وارتمى على الأريكة
"حتى متى هذا العذاب يا ربي؟"
أغمض عينيه وقلبه يخبره لائمًا، حتى لو استطاع رؤيتها ماذا كان سيخبرها؟ ما منعه عنها لسنوات ما زال موجودًا، وماذا يملك ليقدمه لها؟ هو الآن متزوجٌ حتى لو كان زواجًا مع وقف التنفيذ. حتى لو كان حرًا، كيف يدخلها هذا الجحيم بنفسه؟ ألم يحتمل كل هذه السنوات لأجلها؟
كان راضيًا أن تكون بخير، رغم اشتياقه لها حين رحلت أسرتها بعيدًا، وحين وجدها بعد ثلاث سنوات من رحيلهم لم يستطع، لم يقاوم رغبته وانساق وراء شوقه إليها. ظل يراقبها من بعيد مكتفيًا بها حبًا مستحيلًا وكان راضيًا. لم يكن ينوي الاقتراب، يكفيها ما عانته هي وأسرتها بسبب جده، لن يكون أنانيًا ويعيدها إلى تلك الدوامة التي نجوا منها.
هكذا أقنع نفسه وظل مكتفيًا برؤيتها في طريقها للجامعة، تلك اللحظات المسروقة كانت جنته، وكان عليه أن يعرف أنّ جنته لن تبقى حصينة من الشر للأبد.
عرف جده وتدخل، خشي أن يفعل مثل سالم ويتحداه بالزواج منها وينتهي الحال به متمردًا بعد أن رمى كل شيء على كاهله.
لم يكتف بوعده له أنّه لن يتزوجها، فقرر تزويجه، ربما ليطمئن أنّه لن يفكر فيها مطلقًا، ربما ليجعله يفقد الأمل في دخولها حياته يومًا. رفض وقاوم لكنّ جده لف الحبل حول عنقه حين مد يده إليها بالأذى.
حين تعرضت للحادث الأول شعر كأنّه هو من أُصيب، هو من كاد يموت، بل إنه مات يومها وجده يبلغه الخبر قائلا أنّها كانت قرصة أذن خفيفة ليصدقه.
وكان عليه أن يركع مستسلمًا، حياتها كانت مقابل حريته... وكان الخيار عندها سهلًا.
ضعط بين عينيه بألم، لم يكن سهلًا ، لم يعرف أنّه سيتعذب هكذا. جده كان محقًا في ظنونه، حبه كان سيهزمه يومًا ويأخذه إليها معترفًا ومطالبًا بحقه فيها، حبيبته... غيمته السكرية
****************
شرفنا بوجودك، اشترك من هنا