الفصل السابع

اختلست ياسمين النظر إلى شذى التي تتطلع للخارج بشرود، قبل أن تميل على روان وتهمس

"أبلة شذى لا تبدو طبيعية مؤخرًا"

لوت شفتيها مغمغمة

"تتسبب في هرب المسكين ثم تجلس تندب حظها"

وصلت همساتها إلى شذى فالتفتت ترمقها بنظرات محرقة ثم نهضت هاتفة بحدة

"ما هذا؟ .. هل ستتركن الأعمال والطلبات المتراكمة وتجلسن للنميمة؟"

ابتسمت كريمة وهي تتابع عملها بصمت، غير غافلة عن حالتها بينما زمت روان شفتيها

"أوف .. كل هذا بسبب اقتراب ذلك العيد الأحمق"

رمتها شذى بنظرة أشد إحراقًا بينما مالت ياسمين تسألها بفضول

"أي عيد؟"

هتفت بضيق

"عيد الحب بالطبع .. إنّه على الأبواب"

سألتها بدهشة

"ولماذا ستكون عصبية بسببه؟"

ابتسمت روان بتهكم، مختلسة النظر لرئيستها التي تأففت بضيق

"لماذا برأيكِ؟ .. واحدة تكره الحب والرجال .. لماذا برأيكِ ستكره عيد الحب؟"

أومأت ياسمين بابتسامة مكتومة فيما هتفت شذى

"هل ارتحتِ عندما رددتِ هذا الهراء؟ .. إنّه مجرد يوم كأي يوم .. تعرفين أنني أحمل همه بسبب تراكم العمل"

لوت شفتيها بتهكم

"نعم .. صدقتكِ"

ولم تبال بخناجر نظراتها ومالت نحو ياسمين بينما تشذبان سيقان الزهور

"اسمعي يا ياسمينة يا حبيبتي .. طبعًا عرفتِ بعد هذه الأشهر من العمل معنا أنّ أكثر الأوقات التي نعمل بها ويكثر فيها الزحام والطلبات هي الأعياد والمناسبات الأخرى كعيد الحب وعيد الأم .. هذه هي مواسمنا"

ولوحت بمقصها مضيفة

"في أي وقتٍ منها لا تتعصب رئيستنا ولا تشتكي إطلاقًا من ضغط العمل .. بالعكس .. تكون سعيدة وابتسامتها تشق وجهها من هذه الأذن إلى هذه"

ضحكت ياسمين وابتسمت كريمة بهدوء بينما تحركت شذى بعصبية ممسكة برشاش الماء وخرجت لتروي الأزهار هربًا من كلامها .. تابعت روان بصوت أعلى ليصلها

"لو حضرتِ هذه الأوقات معنا ستشعرين بالقلوب ترفرف في المحل من كثرة ما تُلقيها رئيستنا الحنونة في الهواء غامرةً الناس بزهورها الحبيبة .. أما عيد الحب"

حركت رأسها بتحسر مفتعل منتزعة ضحكة أخرى من ياسمين

"أجاركِ الله .. تقولين القيامة قامت! .. لو كان بيدها لأطلقت النار على كل الرجال الذين يأتون لشراء الزهور والهدايا في هذا اليوم، ولو سمحنا لها لقدمت لهم الهدايا في أغلفة سوداء"

دخلت شذى هاتفة بعصبية

"هل تريدين خسارة عملكِ يا روان أم حياتكِ؟ .. اختاري فأنا اختنقت صراحةً من خفة ظلكِ"

ابتسمت بسماجة وهزت كتفيها قائلة

"لا تستطيعين .. أنتِ تحبينني ولا تقدرين على طردي"

وتنهدت وهي ترمقها بنظرة ذات مغزى

"لماذا لا تعترفين أنّ غياب المعجب الولهان هو ما يثير عصبيتكِ هذه الأيام؟"

قبضت شذى كفيها بقوة

"روان .. دعي يومكِ يمر"

غمغمت بحسرة

"وهل قلت شيئًا خاطئًا؟ .. إنّه حظي التعس، وحظ ذلك المسكين أيضًا .. بالتأكيد أمه دعت عليه في ساعة مستجابة ليقع هذه الوقعة"

نفخت شذى

"الصبر من عندك يا رب"

تركت روان الأزهار وتخصرت هاتفة

"تمام .. أنتِ لا تريدينه وكسرتِ قلبه المسكين، وبسببكِ لم يعد يأتي للمحل ويسعد مزاجي بوسامته وطلته البهية"

نغزة حمقاء أصابت قلبها مع كلامها، وازدادت حين واصلت بتنهيدة هيام

"إن كنتِ لا تريدينه دعيه لي وأنا سأ .."

لم تحتمل فاندفعت نحوها صائحة

"لقد صبرت عليكِ طويلًا .. تعالي هنا"

صرخت روان وجرت لتختبئ خلف شقيقتها ثم أخبرتها ضاحكة

"قولي أنّكِ وقعتِ في حبه ولهذا أنتِ حزينة لغيابه كل هذه الفترة"

زمجرت شذى وهي تلتقط مقص الأزهار

"كريمة .. ابتعدي عن طريقي .. سأقص لسانها هذه الحمقاء"

هتفت روان فجأة مشيرة خلفها

"آه .. أستاذ ضياء .. لقد أتيت"

التفتت شذى فورًا ليقابلها الخواء ولصدمتها تهاوى قلبها حين لم تجده بينما هتفت روان بانتصار

"هه .. أرأيتِ؟ .. أخبرتكِ .. أنتِ تفقدينه"

أطرقت شذى بشحوب، قبل أن تعود لمقعدها بينما لكزت كريمة شقيقتها

"روان .. اصمتي قليلًا"

ردت بعناد

"لماذا أصمت؟ .. لقد أضاعت الشاب من يدها .. هل هناك شخص عاقل يرمي نعمة ربنا على الأرض هكذا؟ .. سامحكِ الله .. لولا الحياء لذهبت إليه وأخبرته أن يتزوجني أنا"

هزت كريمة رأسها يأسًا منها، والتفتت هي إلى ياسمين بحماس

"ما زلنا فيها .. ياسمين .. لا بد أنّكِ تعرفين عنوانه أو رقم هاتفه .. أعطيني إياه وأنا سأذهب إليه وأداوي قلبه المحطم بمشاعري الفياضة"

لم تعرف ياسمين هل تضحك على مشاكستها أم تحزن على حال شذى التي جلست بِهمٍ رافقها طيلة الشهر الماضي بعد أن توقف ضياء عن الحضور .. هل افتقدته حقًا كما تقول روان؟ .. هل هذا يعني أنّها أحبته أم أنّها حزينة لشيء آخر؟

قالت محدثة روان وعيناها على شذى

"في الحقيقة لم أعد أراه .. أعتقد أنّه عاد إلى بلدته .. لم أره منذ ذلك اليوم"

رفعت شذى رأسها بانتباه وتمتمت روان بأسف

"خسارة .. يبدو أنّه لم يحتمل البقاء في المدينة بعد أن انكسر قلبه"

ورمقت شذى مقطبةً بضيق

"هذا أفضل .. ربما يعالج قلبه ويجد في بلدته فتاة تستحقه"

حدجتها كريمة بلوم، بينما رددت شذى بعد لحظات

"أنتِ محقة .. إن شاء الله يجد الفتاة التي تستحقه"

ونهضت تخلع مريولها وارتدت معطفها هامسة بشحوب

"سأعود للبيت .. أشعر بالتعب"

والتقطت حقيبتها مواصلة

"المحل أمانة عندكم .. سلام"

نادتها كريمة وهي تلحق بها، لكنّها توقفت عند الباب تتابعها بأسى وهي تمشي نحو سيارتها مطرقة .. تنهدت وعادت إلى الداخل هاتفة بحدة

"ما كان الداعي لهذا الكلام يا روان؟ .. لقد أحزنتها"

هزت كتفيها قائلة بحزم

"على أحدنا أن يجبرها على رؤية الحقيقة .. لن تستمر في الاختباء خلف مخاوفها وهواجسها"

"ليس هكذا روان"

أخبرتها بأسى فقالت روان

"بل هكذا، وسترين قريبًا"

وأشارت إلى الباب

"هناك زبون قادم"

التفتت كريمة وأسرعت إليه، فمالت روان إلى ياسمين تسألها باهتمام

"ألا تعرفين رقم هاتفه فعلًا؟"

هزت رأسها نفيًا بأسف فتنهدت روان

"خرج الأمر من يدنا .. الكرة الآن في ملعبه .. إن كان قد استسلم من البداية فلا أعتقد أنّه يستحق حبها"

رمقتها بدهشة ثم أطرقت مفكرة بقلق فيه .. هل استسلم فعلًا وابتعد بسبب رفضها أم أنّ هناك شيء حدث معه ليختفي هكذا؟ .. هل هو بخير؟

غامت عيناها وهي تفكر فيهما معًا ووجدت نفسها تدعو أن يجمعهما الله .. إن كانت ترى شخصين يليقان ببعضهما فعلًا فهما هذا الاثنان.

************************

التقطت روض عدة أوراق اختبار بعد أن غمستها في أنابيب تحتوي على زيوت عطرية مختلفة وابتسمت وهي تقترب من شمس الجالسة على مقعد مقابل مغمضة العينين وقالت ضاحكة

"والآن .. مع اختبارنا اليومي .. لا تفتحي عينيكِ"

وقربت من أنفها أول ورقة متابعة

"افتحي حواسكِ كلها واشعري بالرائحة وتذكريها .. استسلمي بمشاعركِ كلها واستجمعي حواسكِ كلها في حاسة الشم .. أخبريني ما هذه الرائحة؟"

أخذت شمس نفسًا وراجعت ذاكرتها بعد الأيام الكثيرة التي دربتها فيها روض على حفظ مختلف أنواع الزيوت العطرية وكيف تفرق بينها .. ابتسمت تجيبها بثقة

"ياسمين"

قالت روض باستحسان

"رائع .. إجابة صحيحة"

ضحكت وتنفست الهواء النقي استعدادًا للورقة التالية التي قربتها روض بعد قليل

"وماذا عن هذه؟"

كررت التجربة وعانقت الرائحة وفتحت حواسها كما علمتها روض في تجربة لم تشعر بروعتها من قبل .. كانت تتعامل مع الروائح كأمر مُسَلّم به .. تعجبها الرائحة ثم تنسى .. تحب رائحة الزهور لكنّها لا تلبث أن تنساها .. الأيام الماضية تعلمت شيئًا جديدًا واكتشفت شغفًا آخرًا .. الرائحة التي تسربت لصدرها مثيرة فيها شعورًا بالنعومة والراحة جعلتها تبتسم هامسة

"لافندر"

"وهذه أيضًا .. إجابة صحيحة"

تمتمت روض مبتسمة بينما تتأكد يومًا بعد آخر من خلال تدريسها لشمس أنّها كانت محقة في قرارها .. العطرُ عالمٌ يستحق أن توصله للآخرين .. ليس فقط من خلال العطور التي تصنعها وتضع فيها روحها بل من خلال تعليمه وإيصال حقيقته لمن يقدر هذه الحقيقة وهذا السحر.

تناولت ورقتين هذه المرة وقربتهما منها بعد برهة

"ماذا عن هذه؟"

سمحت شمس للرائحة بالتغلغل داخلها ملامسة حواسها .. تنفست بعمق ثم أجابتها

"توت ومسك"

صفقت روض

"جميل .. إجابة صحيحة .. ذكريني أن أكافئكِ بعد الاختبار"

قالت ضاحكة فبادلتها شمس ضحكتها ثم قالت بامتنان

"ما أتعلمه منكِ الآن يا أبلة روض هو أجمل مكافأة"

التفتت لها بدهشة ولمعت عيناها بتأثر بينما تتابع شمس دون أن تفتح عينيها

"ليس فقط لأنّكِ وقفتِ معي وساعدتِني لأدافع عن أحلامي، لكن لأنّكِ أيضًا قدمتِ لي هذه التجربة وفتحتِ لي هذا العالم"

تحشرج صوت روض بتأثر فصمتت لثوان جمعت خلالها بضع أوراق معطرة سويًا فيما تواصل شمس بابتسامة سعيدة

"لم أتصور يومًا أنني أمتلك أنفًا يميز العطور"

ضحكت بتأثر وقالت

"هناك مدارس عالمية لتعليم هذه المهارة، ويتطلب الأمر أيضًا بعض الموهبة .. وأنتِ من الواضح امتلكتِها داخلكِ وكنت في حاجة للبحث عنها لا أكثر"

وابتسمت بحنان متابعة

"مع الوقت ستستطعين التمييز بين مئات الروائح بأنواعها وفي يومٍ ما ستجدين روح العطور داخلكِ وتبتكرينها بنفسكِ"

هتفت شمس بحماس

"ستعلميني صنعها قريبًا؟"

قالت مؤكدة

"طبعًا حبيبتي .. أنا الآن أعلمكِ الأساسيات وأكشف لكِ خفايا هذا العالم السحري بعد أن ولجنا من بوابته، وعندما تمسكين بكل الخيوط معًا سأعلمكِ كيف تصنعين تعاويذ عطركِ الخاصة"

اتسعت ابتسامتها بينما عادت روض لتقرب مجموعة الأوراق منها وقالت

"المرحلة الأخيرة والصعبة .. أخبريني ما هذه؟"

أخذت نفسًا عميقًا ليلفحها مزيج الروائح المختلفة وبتلقائية صارت سهلة الوصول فتحت حواسها وذاكرتها وحللت الروائح لثوان لتهمس

"ليمون .. نعناع"

صمتت برهة ثم تابعت عد الروائح تصمت ثانية واثنتين بين كل رائحة وأخرى

"ورد .. بنفسج .. فانيليا .. قرفة .. عنبر .. خشب الصندل .. نرجس"

وضعت روض الأوراق وصفقت مهنئة

"رائع .. اجتزت الاختبار لهذا اليوم بنجاح"

فتحت شمس عينيها بابتسامة سعيدة ونظرات ممتنة فيما أمسكت روض قلمًا على الورق أمامها وقالت

"ركزي معي الآن فالدرس القادم مهم جدًا"

اقتربت شمس تنظر لما كتبته وهمست

"الهرم العطري"

أومأت روض

"الهرم العطري .. أو المثلث العطري .. هذا الأساس الذي نبني عليه العطر"

استمعت لها بانتباه وهي تواصل

"أخبرتكِ أنّ العطر يتكون من نغمات أو نوتات ونحن نستخدم هذا الهرم في بناء العطر .. وكما ترين"

تابعت وهي ترسم مثلثًا وتقسمه لثلاث أقسام

"يتكون العطر من نغمات القمة وهذه تحتوي على الروائح سريعة التطاير .. لا تدوم طويلًا .. يعني .. في العادة من خمس إلى خمس عشرة دقيقة"

أومأت شمس بتركيز وروض تكمل

"عندما تفتحين زجاجة العطر .. هذه أول رائحة تداعب أنفكِ ولهذه المعلومة أهمية كبيرة وهي أن .."

صمتت لتسمح لها بالتفكير في الإجابة ولم تلبث شمس أن ردت

"ألا نشتري العطر اعتمادًا على الرائحة التي تقابلنا أولًا"

أومأت باستحسان

"بالضبط وهذا الخطأ الذي يقع فيه الناس حين يشترون العطر .. يسارعون باختيار الرائحة الأولى ولا تلبث أن تتبخر ولا يبقى في النهاية إلا الرائحة التي تدوم وقتًا أطول وربما لا تنال إعجابهم لهذا .."

صمتت لتكمل شمس بحماس

"لهذا يجب اختيار العطر اعتمادًا على الرائحة الأدوم"

"بالضبط"

وعادت تشير للمثلث متابعة شرحها

"ونغمات القمة تمثلها كما قلنا الزيوت سريعة التطاير وهذه تشمل زيوتًا عديدة مثل .. الأزهار الخفيفة كاللافندر والريحان .. والحمضيات كالليمون والبرتقال، الفواكه الخفيفة مثل التوت، وأيضًا الأعشاب"

وأشارت للوسط مردفة

"وبعد أن تتطاير نوتات القمة تفسح المجال لنوتات الوسط والتي ندعوها .. قلب العطر"

ابتسمت شمس مستمعةً بشغف أكبر

"هذه النوتات تبقى لمدة أطول تصل إلى نصف ساعة وأحيانًا إلى ساعة .. وهذه النوتات لطيفة وعادة تكون مزيجًا من الأزهار والفواكه كزهر البرتقال والياسمين"

ثم أشارت للجزء الأخير

"ثم بعد ذلك تُفسِح نوتات القلب المجال للنوتات الأثقل والأبطأ في التطاير .. وهذه نوتات القاعدة"

صمت قليلًا تأخذ نفسًا ثم واصلت

"وهذه تشكل أساس العطر وتكون غنية وثقيلة وطويلة الأمد وتستمر لساعات .. ربما إلى ست ساعات أو أكثر .. منها خشب الأرز والصندل .. الفانيليا .. العنبر، والمسك وغيرها الكثير"

صمتت هنيهة ثم سألتها

"وصلت الفكرة؟"

"تمام وصلت"

أخبرتها ضاحكة فابتسمت روض ثم قالت

"هذا المبدأ الأول والأساسي واعتمد عليه العطارون لوقتٍ طويل .. الآن دخلت العديد من الروائح الصناعية في صناعة العطر، وهذا يصل بنا للمبدأ الثاني والذي يعتمد هذه المرة على قوة تأثير الرائحة .. هذه الروائح الصناعية شرسة وقوية ويمكنها الظهور مع نوتات القمة .. وأيضًا بعض نوتات الوسط والقاعدة تأثيرها وقوتها الكبيرة تمكنها من الظهور في القمة وتدوم بعد اختفاء نوتات القمة"

أومأت شمس بتركيز ومالت روض تلتقط دفترًا من قربها

"سيفيدك هذا لتعرفي أكثر .. هذه ملاحظاتي وتدويناتي وكل ما تعلمته خلال السنوات الماضية .. ادرسيه وسأعطيكِ غيره بعد أن تنتهي"

تناولته بحرص وتابعت روض بعد لحظات

"هذه النوتات العطرية جُمعت وفقًا لتوافق الرائحة فكونت لنا عائلات عطرية كثيرة"

وعددت على أصابعها

"مثل الأزهار والأخشاب والعطور الجلدية والشرقية والفواكه"

والتقطت ورقة بها رسم دائرة مقسمة لأجزاء مردفة

"وهذه دائرة العطر .. تحتوي على هذه العائلات .. هناك أربع تقسيمات رئيسية تندرج تحتها أقسام فرعية .. لدينا الشرقي والزهري والمنعش والخشبي وكل مجموعة كما ترين تندرج تحتها تفريعاتها الخاصة"

وناولتها الورقة لتدرس الدائرة جيدًا بمحتواها لتغمغم شمس بعد قليل

"لم أتوقع أن يكون الأمر كبيرًا ومعقدًا لهذه الدرجة .. إنّه مذهل"

ضحكت روض وقالت مربتة على كتفها

"مرحبًا بكِ في عالم العطور الساحر يا فتاة"

ضحكتا معًا قبل أن تسمعا باب الشقة يُغلق بقوة .. بهتت ابتسامة روض ونهضت متمتمة

"سنكتفي بهذا القدر اليوم حبيبتي .. اقرأي الدفتر وادرسيه جيدًا لأنني سأختبركِ"

حاولت جعل جملتها الأخيرة مرحة فابتسمت شمس وأومأت وهي تنهض

"حسنًا يا أستاذتي .. سأذاكر بجد"

ورافقتها للخارج مردفة

"شكرًا جزيلًا يا أبلة روض"

منحتها أرق ابتسامتها

"بل شكرًا لكِ أنتِ يا شمس لأنّكِ سمحتِ لي بإعادة اكتشاف عالمي والغرق في حبه أكثر"

بادلتها ابتسامة أخيرة ثم غادرت .. لوحت لها روض مودعة ثم عادت للداخل وقد اختفت ابتسامتها وهي تنظر تجاه غرفة شذى بقلق دفعها لتذهب مسرعة لتطمئن عليها.

طرقت الباب فلم تسمع ردًا

"شذى .. أنتِ بخير؟"

رددت بقلق ثم طرقته

"شذى أعرف أنّكِ بالداخل .. شذى سأدخل"

فتحت الباب برفق وأطلت برأسها ولم تلبث أن همست بأسف

"شذى ما بكِ؟"

دلفت للداخل وعيناها على جسد أختها النائمة على الفراش تعطيها ظهرها .. لم ترد عليها فاقتربت روض لتجلس جانبها

"حبيبتي .. ماذا حدث؟"

لامست كتفها فشعرت بتشنجها اللحظي

"لا شيء يا روض .. شعرت بالتعب قليلًا في المحل"

مسحت على شعرها بحنان وقلبها يلتقط الحزن في صوتها

"متأكدة أنّ هذا هو السبب الوحيد؟ .. هل"

قاطعتها برجاء هامس

"أرجوكِ روض .. أحتاج للنوم قليلًا أنا حقًا متعبة"

غامت عيناها وكادت تُحدِثها لكنّها تراجعت .. مالت تقبل رأسها قائلة بحنان

"تمام يا زوزو .. ارتاحي قليلًا وأنا سأحضِر لكِ أعشابًا مهدئة"

هزت رأسها بإيماءة ضعيفة فنظرت لها روض بشفقة وأسف قبل أن تتركها وما كادت تغلق الباب حتى همست شذى لنفسها

"غبية"

مسحت دمعة خائنة بينما تفكر في حماقتها .. في ذلك الاختناق الذي يطبق على صدرها .. لا يُمكن أن تكون قد وقعت بهذه البساطة .. ليست حمقاء لتكرر مأساة أمها .. لا يوجد شيء اسمه الحب .. إنّه وهم لا يلبث أن يتبخر وتبقى مرارة النهايات.

أغمضت عينيها ليمثل خياله أمامها وكرهت نفسها لذلك الشعور بالفقد داخلها فهمست لنفسها بغلظة

"حمقاء"

هو يعرف .. لقد استخدم أقدم خدعة يلجأ لها الرجال .. يحاصر الواحد منهم الفتاة ويغرقها باهتمامه ويصور لها أنّها العالم بالنسبة له، ثم يختفي فجأة قالبًا حالها ومستغلًا إدمانها لاهتمامه ثم يعود ليُخضعها له .. أسلوب رخيص .. وهي ليست حمقاء لتقع فيه.

ليست حمقاء أبدًا ... إذن لماذا لا يريد هذا الثقل أن يرتفع عن قلبها؟

**************************

عيد الحب

أطلقت شذى تنهيدة قوية وارتمت على مقعدها هاتفة

"يكفي .. لقد تعبت"

ضحكت روان غامزة لياسمين وهما تعدان المزيد من الباقات والورود المنفردة فالمحل لم يخل منذ بداية اليوم من الزبائن .. هتفت شذى مشيرة لما حولها

"على نهاية اليوم سأكون قد كرهت اللون الأحمر"

ضحك ثلاثتهن لتقول كريمة قبل أن تستعد للزبون الجديد

"كل عام تقولين هذا"

هتفت روان ضاحكة

"ليس كل عام .. لا تنسي أننا نحتفل بعيد الحب مرتين"

حركت شذى عينيها بملل، ونهضت مرغمة مع دخول المزيد من الزبائن ولم تلبث أن قالت بعد خروجهم

"نعم .. كان ينقصنا المزيد من أعياد الحب"

رددت روان مغيظة

"عدوة الرومانسية"

غامت عيناها حين عاد يقتحم عقلها كما فعل طيلة الفترة التي غابها ... لن تتخلص منه .. حتى روض لا تترك سيرته وتصمم على أنّها تفتقده .. لو ظلوا يتحدثون عنه أمامها لن تتجاوزه أبدًا .. تنهدت بحرارة لتهتف روان غامزة

"الجميل يتنهد .. ماذا؟ … هل تنوين الاعتراف بالهزيمة قريبًا؟'

تناولت بكرة شرائط التغليف وألقتها نحوها .. تفادتها روان ضاحكة ثم عادت تردد

"اعترفي .. اعترفي .. أنتِ غارقة بالحب يا حبيبتي"

فتحت فمها لترد عليها حين دخل المحل زبون آخر فالتفتت لتصدمها رؤية باقة زهور كبيرة تغطي وجهه .. قطبت بدهشة بينما صفرت روان بإعجاب

"ما هذا؟ .. هل انقلب الوضع وأصبحنا نستقبل باقات الزهور؟"

خفق قلب شذى وهي تتوقع هويته قبل أن تقع عيناها على وجهه الذي كشفه وهو يقترب خافضًا باقة الزهور .. قدمها لها بابتسامة سلبتها أنفاسها

"عيد حب سعيد يا آنسة شذى"

أطلقت روان صفيرًا قبل أن تضرب كفيها بكفيّ ياسمين التي هتفت بحماس وانبهار

"لقد عدت"

غمز لها بمرح

"لقد عدت فعلًا"

همست شذى بشحوب

"ماذا تفعل هنا؟"

التفت لها مبتسمًا ومرت عيناها على ملابسه الشبابية .. كانت أول مرة تراه دون ملابس العمل الرسمية الخانقة

"أخبرتكِ لتوي"

"أخبرتني"

همست بحيرة فهز الباقة يحثها على تناولها وقال

"أخبرتكِ .. عيد حب سعيد"

قطبت مستعيدة قناعها الجليدي رغم قلبها الأحمق المتقافز فرحًا برجوعه

"ماذا يعني هذا؟ .. لو سمحت يا أستاذ .. لدينا عمل كثير و"

قاطعها مقتربًا ومربكًا إياها

"وأنا أتيت لأسرق أجمل وردات المحل كما أخبرتكِ سابقًا"

قطبت بشدة ونظرت لياسمين التي رفعت كفيها باستسلام فقال ضاحكًا

"لا .. ليس ياسمين هذه المرة"

رنت منها نظرة نحو روان فضحك

"وليس روان"

والتفت لروان التي ادعت الشعور بالبؤس وقال بمرح

"هذا لا ينفي أنكِ وردة جميلة آنستي"

هتفت شذى دون أن تتحكم في الضيق الذي راودها لمغازلته روان

"يا أستاذ ضياء .. كما ترى لدينا عمل كثير"

قال ببراءة

"وأنا أتيت لأسرقكِ من العمل قليلًا"

"نعم؟"

هتفت بحدة فأخبرها ببساطة

"اشتقت لكِ"

ألجمتها كلماته قبل أن تنتبه على تصفيرة روان فحدجتها شذرًا، بينما تابع هو رافعًا باقة الورود

"أخبرتني العصفورة أنكِ كنتِ تعيسة بغيابي"

التفتت بنظرات صاعقة متهمة نحو روان وياسمين لترفعا أكفهما نافيتين التهمة عنهما فضحك بشدة، ثم قال يبرئ ساحتهما

"العصفورة ليست هنا"

قطبت بشك وعقلها يفكر في الشخص الوحيد المتبقي .. عضت شفتها بحنق بينما اقترب منها قليلًا معيدًا ارتباك نبضاتها

"لن أطلب منك الكثير آنسة شذى .. أعرف أنكِ أخبرتني رأيكِ المرة الماضية وأنا منحتكِ الفرصة الكافية وابتعدت لتفكري دون تأثير وجودي الذي ربما يزعجكِ"

صمت لحظة ناظرًا لها بأمل وأردف

"أتيت هذه المرة وكلي أمل أن تستمعي إليّ ... اليوم عيد الحب والناس سعيدة في الخارج وقلوبهم متصافية .. هل أجد لدى قلبكِ فرصة واحدة في هذا اليوم المميز؟ .. ساعة واحدة فقط مقتطعة من يومكِ وبعدها سأعيدكِ هنا ولن أضغط عليكِ بعدها"

قلبها الأحمق ذاب مع نظراته المترجية وكلماته ... انتبهت فجأة على الجمهور الواقف خارج المحل يراقب المشهد بفضول وحماس إلى جانب الجمهور الصغير في الداخل .. شعرت بالحرج الشديد فأسرعت تخلع مريولها وتناولت سترتها متمتمة

"ساعة واحدة فقط"

وانطلقت في لحظة إلى الخارج متجاوزة الجمهور، وحدق ضياء مصدومًا في إثرها لتهتف ياسمين

"لماذا لا تزال واقفًا؟ .. لقد وافقت"

هتف بغير تصديق

"وافقت؟"

ضربت روان كفيها

"وافقت يا رجل .. الحقها قبل أن تغير رأيها"

اندفع هاتفًا باسمها، يناديها أن تتوقف وخلفه ترددت ضحكات الجميع وتصفيراتهم المشجعة.

خلال دقائق كان يجلس معها أسفل نفس الشجرة وعلى نفس الأريكة التي سبق وجلسا عليها .. غمغمت هي بعد لحظات

"هيا .. قل ما عندك"

ابتسم وقلبه يحاول تمالك سعادته

"أحبكِ"

لم تفته الرجفة التي مرت بجسدها قبل أن تلتفت باستنكار واه، فتابع بنفس الابتسامة

"أحبكِ وأريد الزواج منكِ"

تململت مرددة

"أظنني أخبرتك رأيي مسبقًا في هذا المكان نفسه"

قال بهدوء

"وأنا لم أقل أنني تراجعت عن رغبتي"

فتحت فمها لتنطق فقاطعها بسرعة

"أنا لن أجد فتاة أستطيع أن أحبها غيركِ .. لم أعد أرى أي امرأة بعدما عرفتكِ"

خانتها حمرة خديها فتابع بمرح خفيف

"لقد أفسدتِ فرصي في الزواج وعليكِ التدخل .. لا أريد البقاء عازبًا طيلة عمري .. لو سمحتِ أصلحي خطأكِ"

"وما شأني أنا؟"

هتفت بارتباك فردد مبتسمًا

"لقد أفسدتِ علي قلبي وجعلتني لا أصلح لامرأة من بعدكِ .. تحملي المسؤولية"

زفرت بقوة والتفتت له هاتفة

"أنت تمزح"

"أنا جاد كُليًا .. مئة بالمئة"

ران الصمت قليلًا وبدأت تشعر بالتعب وإرهاق الفترة الماضية وتفكيرها وافتقادها له جعلها لا تملك قوة للمجادلة فهمست بوهن

"أنت لا تعرف عني شيئًا لتحبني"

"بل أعرف الكثير"

رمقته بحاجب مرفوع فاتسعت ابتسامته ورفع يده يعدد

"اسمكِ شذى عاصم .. في الثانية والثلاثين من عمركِ"

ابتسمت باستخفاف

"هذا يعرفه الجميع"

هز رأسه قائلًا

"على فكرة أنا أكبر منكِ بعام"

رمقته بحنق فضحك غامزًا

"لذا عندما يتحدث الكبار على الصغار أن ينصتوا بأدب"

زمجرت بنفاذ صبر انتزع ضحكة أخرى منه ليردف بعدها

"والداكِ متوفيان وجدتكِ رحمها الله أيضًا .. لديكِ أخت تصغركِ بست سنوات .. روض المرحة التي قابلتها في المحل وعرفت أيضًا أنّ خطبتها تمت على الأستاذ حسن الذي كان يرافقها يومها"

قطبت بضيق تتذكر اضطرارها ورضوخها للأمر بعد بكاء روض وإصرارها وزيارات متكررة من حسن وأمه وابنة خالته .. لكن .. ما جعلها تتنازل وتقرر السماح لروض بخوض التجربة هو رؤيتها لتلك السعادة التي لمعت بها عيناها يوم ألبسها حسن خاتم الخطبة قبل أيام.

تنهدت بحرارة لينتزعها صوته المرح

"ماذا؟ .. هل شردتِ فيّ؟"

رمقته بتعجرف مصطنع لم يؤثر في مرحه ولو قليلًا بينما عاد يواصل

"لأتابع إذن معلوماتي عنكِ .. صيدلانية سابقة وغيرت مهنتكِ لتمارسي شغفكِ في تنسيق الزهور وبيعها"

قطبت بضيق وهي تسمعه يعدد كل ما عرفه عنها .. لم يعد لديها شك في مصدر معلوماته .. روض أيتها الحمقاء اصبري حتى تقعي تحت يدي.

انتزعها مرة أخرى من أفكارها قائلًا

"هه، هل هذا يكفي؟"

رمقته بنظرة جانبية ثم قالت

"لا يكفي .. أنت لا تعرف سوى معلومات هامشية .. ماذا تعرف عني أنا ؟.. من أنا حقيقة؟ .. أخلاقي .. ماضيّ .. طبيعتي .. ربما أنا عصبية ... طباعي لا تُحتمل … منفرة"

صمت لبرهة ثم رد

"ما عرفته عنكِ ليس ما قلته فقط .. الكل يشهد بأخلاقكِ وطيبة قلبكِ وأنا لمست هذا بنفسي من موقفكِ مع ياسمين"

توترت في جلستها بينما يكمل

"أما أخلاقكِ فأنا عرفتها وأما ماضيكِ لا يخصني .. طبيعتكِ أنا واثقٌ أنها نفس الجوهرة التي أشعر بها ورأيتها منذ أول يوم رأيتكِ فيه"

هتفت بعناد

"ومن يضمن لك ألا أكون كذبة اخترعتها وصدقتها؟

هز كتفيه

"ومن يضمن أي شيء؟"

صمتت واحترم صمتها لتقول بعد قليل بقلة حيلة

"ماذا تريد يا ضياء؟"

لم تنتبه لنطقها اسمه مجردًا لكنّه فعل فانتشى قلبه واعتدل في جلسته يخبرها بوجه مشرق وبصوت مرح تخللته سعادته وأمله بينما يمد يده نحوها

"أنا ضياء صلاح الغمري .. ثلاثة وثلاثون عامًا .. محاسب في شركة كبيرة سابقًا"

رمقته بدهشة فداعب مكان ربطة عنق وهمية وقال

"أكره العمل الروتيني ولم تكن رغبتي يومًا أن أعمل محاسبا، لهذا وكما فعلت أميرة أحلامي .. تشجعت واتخذت القرار الذي ترددت فيه طويلًا وقررت ترك ذلك العمل لأمارس العمل الحقيقي الذي أردت أن أمتهنه"

قالت بابتسامة مرتبكة وفضول

"والذي هو؟"

عاد يمد يده متابعًا تعريفه المرح بنفسه

"معكِ حاليًا ممارس عمل حر ومحترف في مجال البرمجة وتصميم المواقع"

لم تتمالك ضحكتها التي دفعت بضحكة عبر شفتيه ليقول

"هل سأظل معلقًا يدي كثيرًا؟ .. لقد تخدلت"

لم تقاوم ضحكة جديدة ووجدت نفسها تمد يدها إليه

"تشرفنا يا أستاذ ضياء"

ارتسمت على شفتيه أروع وأسعد ابتسامته

"تشرفنا يا آنسة شذى .. واسمحي لي أن أخبركِ تحت هذه الشجرة الموعودة وفي هذا اليوم المميز جدًا"

صمت هُنيهة فرمقته بحيرة ليردف وهو يضغط على أصابعها برقة

"أنا أحبكِ وأحبكِ وأريد الزواج منكِ"

********************

رفعت روض كفها أمام عينيها مبتسمة، وهي تنظر لخاتم خطبتها .. تنهدت بهيام ثم همست

"لا أصدق أنّني أصبحت خطيبته"

مرت بعقلها ليلة خطبتهما والأيام التي تلتها .. لا تصدق أنّ أمنيتها تحققت وأنّ القدر جمعها به بعد أن ظنته سيظل حلمًا حدث ذات صيف.

ضحكت وهي تتخيل صدمة أمه حين أخبرها بحبه لها .. حقيقةً لم تتوقع أن تتقبلها هكذا ولا تعترض لكنّها فعلت وأتت بنفسها مع رباب أكثر من مرة لتتحدثا مع شذى التي تحولت لأم خائفة ومرتعبة على مصير ابنتها .. لم تتوقع أن تكون هي من تحاول إقناع شذى لكنه أخبرها أنّ أمه يهمها في النهاية سعادته وقد لمست بنفسها مقدار حبه وتمسكه بها ولم تكن لتعترض طريق سعادته التي ما صدقت أنّه قرر أخيرًا أن يخطو نحوها.

شرد عقلها إليه من جديد تتذكر همساته

"ها أنا ذا أقيدكِ إليّ كما قيدتني بتعويذتكِ يا ساحرة"

أخبرها ليلتها وهو يضع خاتمه في إصبعها .. احمر خداها وهي تتذكر نظراته وهمساته لها .. ضحكت بطفولية مخفيةً وجهها بين كفيها وتقلبت في فراشها يمينا ويسارا.

"ظننتكِ ستتعقلين بعد خطبتكِ لكنّكِ تزدادين غرابة وجنونًا مع كل يوم"

انتزعتها كلمات شذى الساخرة من حالتها فاعتدلت بوجه محمر

"أنا بكامل قواي العقلية"

ردت شذى بتهكم

"نعم يمكنني رؤية هذا"

مطت شفتيها بنزق ثم ابتسمت بخبث ونهضت بسرعة لتلف ذراعها حول عنقها

"لماذا لا تدعينا من حالتي ونتحدث قليلًا عن حالتكِ يا جميل؟"

حاولت شذى فك ذراعها عنها

"ابتعدي قليلًا .. أنتِ تخنقينني"

"لن أترككِ حتى تخبريني بكل التفاصيل يا زوزو .. هه .. هل تغيرت مشاعركِ؟ .. هل ما زال يزوركِ في المحل؟ .. هل .."

ضربتها بكوعها في خصرها فتأوهت روض واضطرت لتحريرها، وهتفت شذى

"على مهلكِ .. ما كل هذه الأسئلة؟"

"أسأل لأطمئن عليكِ يا زهرتي"

أخبرتها ببراءة فكتفت شذى ذراعيها بسخرية

"حقًا؟ .. تريدينني أن أصدق أنّكِ لم تتفقي معه وأنّكما لا تتبادلان تقارير مفصلة؟"

"أنا؟ .. من قال هذا؟ .. هل تتخيلين أنني أتجسس عليكِ وأتعاون معه ضدكِ؟"

رددت روض ببراءة ثم تأتأت بلسانها بأسف مفتعل

"لا .. لم يكن هذا العشم يا زوزو .. كيف تظنين هذا بي؟"

تأوهت عندما أمسكتها شذى من أذنها تقرصها

"أيتها الماكرة أنا أعرف كل شيء"

"تمام أعترف .. سماح يا كبيرة .. غلطة ولن تتكرر"

هزت رأسها بيأس ثم تركت أذنها قائلة

"حاولي خداع غيري يا روض .. أنا أحفظكِ كراحة يدي"

زمت شفتيها

"الحق عليّ أنني أريد الاطمئنان على حالة قلبكِ"

رمقتها شذرًا ثم غيرت الموضوع لتسألها بجدية

"دعينا مني .. هل تحدثتِ مع حسن كما قلت لكِ؟"

شحب وجهها وتراجعت تجلس على فراشها مطرقة

"روض"

نادتها شذى وتحركت لتجلس جوارها

"حبيبتي .. يجب أن تخبريه .. من حقه أن يعرف"

"أنا خائفة"

أحاطت كتفيها بذراعها وتمتمت

"لا تخافي .. لا شيء لتخافي منه ولا أعتقد أنّ الحقيقة ستشكل فارقًا معه .. إلا إذا كنتِ لا تثقين في حبه لكِ؟"

نفت بسرعة

"لا .. أنا واثقة من هذا .. الأمر فقط أنّه"

صمتت لحظات قبل أن تهمس بأسى

"أخشى أن يصر على مقابلته .. أن يؤجل الزواج حتى يحصل على موافقته وأنا"

تحشرج صوتها وغامت عينا شذى بحزن امتزج بكراهية قاومتها بصعوبة لتستمع إليها بهدوء

"أنا لا أريده أن يتدخل في الأمر .. لا أريد رؤيته ولا أن يكون له يدٌ في زواجي .. وأخاف إن عرف حسن أن يصمم على العكس"

أدارت وجهها تمسكه بين كفيها وأخبرتها

"أنا لا أقِلُ عنكِ رفضًا لهذا يا روض .. لكن من حق حسن معرفة كل شيء عنكِ و .. عنه .. يمكنكِ إقناعه أنّكِ لا تريدين علاقة به بعد أن تخلى عنكِ"

قاومت غصتها بصعوبة ثم ابتسمت

"تمام .. عامة كنت أنوي إخباره بعد أن نعود من رحلة المعرض"

أنزلت شذى كفيها وتمتمت بحنق

"نعم؟ ... هل سيادته ينوي مرافقتنا للمعرض؟"

"طبعًا .. لماذا لا يرافقنا؟ .. إنّه خطيبي"

أخبرتها بنزق فلوت شذى شفتيها بغير رضا ثم تمتمت

"حسنًا .. فليأت .. من أنا لأعترض؟"

"أنتِ الكل في الكل يا زوزو"

أخبرتها بمرح وهي تحتضنها فضربتها شذى

"واضح .. كنت أعرف أصلًا أنّ السيد حسن سيأخذ مكاني .. لقد بدأت أندم على اختياري لهذه الشقة"

"لا تقولي هذا .. لقد كان أجمل وأصوب قرار أخذناه في حياتنا"

قالت روض مبتسمة بسعادة فبادلتها ابتسامتها ثم عانقتها بحب

"هيا لننام .. لقد تأخر الوقت"

"تمام .. تصبحين على خير"

همست روض لترد عليها بابتسامة

"وأنتِ من أهل الخير حبيبتي"

تابعتها عينا روض حتى غادرت ولم تلبث أن ابتسمت بشقاوة وهي تغمغم

"ليس حسن وحده من سيرافقنا يا زهرتي .. آه .. ستكون مفاجأة رائعة"

وضحكت وهي تغمض عينيها تستعد للنوم ولأحلامها السعيدة.

***************

"مرحبًا بكم يا كل عشاق الزهور والطبيعة الساحرة من كل أنحاء العالم"

هتفت روان بمرح حماسي ملوحةً للهاتف الذي تمده أمامها بحامل معدني طويل

"اشتقت لكم كثيرًا .. كيف حالكم؟ .. اشتقتم لنا؟ .. بالتأكيد فعلتم"

ابتسمت شذى بقلة حيلة، قبل أن تنظر خلفها، تترقب دخول روض التي رافقت حسن في سيارته بينما تولت هي اصطحاب ياسمين وشمس وروان في سيارتها .. عادت تنظر إلى حيث تلك الأخيرة تواصل صخبها الحماسي.

"عدت لكم ببث مباشر .. في جولة جديدة ويوم مميز للغاية .. هذا اليوم الذي نترقبه كل عام .. هل تعرفون أين نحن الآن؟ .. بالطبع توقعتم"

ودارت حول نفسها لتكشف المكان خلفها

"رائع .. كما خمنتم بالضبط .. نحن الآن في حديقة الأورمان الجميلة حيث يُقام معرض زهور الربيع في هذا التوقيت من كل عام .. هل ترون كل هذا الجمال خلفي؟ .. ماذا تنتظرون في بيوتكم؟ .. انظروا لكل هذه الروعة"

تبادلت شمس وياسمين الابتسامات وهما تتابعانها فلوحت لهما لتقتربا

"وبهذه المناسبة رحبوا معي بأصغر أعضاء فريقنا .. لكن احذروا .. إنهما مشاغبتان جدًا لكنّهما أيضًا عبقريتان في الدراسة .. إحداهما عبقرية رياضيات .. الآنسة ياسمين"

قالت مشيرة لياسمين التي ابتسمت ملوحة للكاميرا بشقاوة لتضيف روان بتقزز مفتعل

"هل أخبرتكم من قبل أنني أكره الرياضيات؟ .. آه كم أبغضها"

ضحكت الفتاتان لتعود روان وتشير لشمس

"وهذه الجميلة هنا .. شمس .. إنّها دودة قراءة وصانعة عطور مستقبلية"

احمر وجهها وابتسمت بخجل للكاميرا .. لمعت عينا روان بشقاوة خبيثة وأدارت الكاميرا فجأة نحو شذى وهتفت

"وكما تعرفون في كل معرض يجب أن يكون على رأس فريقنا .. رئيستنا ووردتنا الجميلة .. شذى عاصم"

تراجعت مجفلة قبل أن تتمالك نفسها وتبتسم فاقتربت روان تخبرها

"كلمة صغيرة هنا لجمهور معجبيكِ يا فنانة"

رمقتها بلوم وابتسامة مرتبكة لتقول روان غامزة

"ما زالت تخجل من الكاميرا .. اعذروها يا قوم"

ابتسمت شذى ملقية التحية على متابعي قناتهم الخاصة، ثم حدثتهم قليلًا عن المعرض وبعض المعلومات عنه ثم تركت الدفة لروان التي عادت تنظر للكاميرا وتقول

"كما سمعتم يا عشاق الزهور في كل مكان .. لا تزال الفرصة أمامكم .. المعرض ممتد على مدار شهر ونصف .. يمكنكم زيارته والاستمتاع بكل هذا الجمال الذي ترونه بأعينكم ... وهناك الكثير من العروض والخصومات لشراء الزهور والنباتات ومستلزمات الزراعة وهناك كما ترون .. أقسام خاصة بتصميم وتنسيق الحدائق والفيلات"

وأشارت لشمس وياسمين أن تلحقا بها بينما تتابع مشيرة للمساحات الواسعة التي امتلأت بالزهور بمختلف أنواعها وألوانها ونباتات وأشجار شتى في مظهر خلاب ممتع للنظر والحواس.

"هيا تابعوا معنا جولتنا المفصلة في المعرض وتعرفوا على أنواع جديدة ونادرة من الزهور والنباتات الجميلة .. لكن قبل أن نعرف جديد المعرض هذا العام، دعوني أولًا أعطيكم نبذة سريعة عن الحديقة التي تحوي كل هذا السحر"

ابتعدت بضع خطوات ودارت بالكاميرا لتكشف المزيد من الحديقة مرددة

"تُعد حديقة الأورمان من أكبر الحدائق النباتية في العالم حيث تمتد على مساحة ثمانية وعشرين فدانًا وتحتوي على مجموعة كبيرة من النباتات والأشجار المعمرة والنادرة، وقد أُنشأت الحديقة في عام ألفٍ وثمانمائة وخمسة وسبعين ميلاديًا في عهد الخديوي اسماعيل وهي .."

تابعت جولتها التعريفية وتابعتها شذى بابتسامة بينما تتحرك باستمتاع بين الممرات التي توزعت فيها معروضات المشاتل المختلفة، ولم تلبث أن نظرت خلفها لتجد روض تتحرك بخطوات متأنية غارقة مع حسن في حديث مليء بالابتسامات والنظرات التي ما زالت ترفع ضغط دمها.

تعترف أنّها تغار منه وبشدة .. مطت شفتيها بحنق وهتفت

"يا روض هانم .. إن استمريتما في المشي بهذه السرعة فربما تستغرقان مدة المعرض كلها لتقطعا ربع الحديقة على الأقل"

قطبت روض ترمقها بوجه محمر، وابتسم حسن بخبث مدركًا غيرتها منه .. التفتت هي على ضحكة كريمة التي لم تنتبه لاقترابها والتي ضربت كتفها قائلة

"ارحميهما قليلًا يا شذى .. هل تحاولين جعل المسكين يطفش؟"

أخبرتها بنزق

"لا تخافي .. لن يطفش .. إنّه ملتصقٌ بالغراء ومهما فعلت لا يؤثر فيه"

زادت ضحكة كريمة ثم تحولت لابتسامة رقيقة وهي تنظر خلفها فالتفتت شذى لتجد أمين يقترب حاملًا ابنتها المتعلقة به بحب وانبهار وهو يحدثها بابتسامة أبوية مليئة بالحنان جعلت قلب شذى يهتز رغمًا عنها هي التي حُرمت طيلة عمرها من هذه المشاعر.

"سُندس تبدو متعلقة به كثيرًا"

أخبرت كريمة فابتسمت صديقتها هامسة بتأثر

"كل يوم أتأكد أنني أخذت القرار الصحيح حين وافقت على الزواج منه"

رمقتها شذى بحنان مؤيدة كلامها داخلها .. يمكنها رؤية كم أصبحت كريمة سعيدة بعد زواجها من أمين الذي اعترف لها بمشاعره أخيرًا وطلبها للزواج ووافقت ليتزوجا سريعًا ودون أي مشاكل.

تحركتا معًا وكريمة تكمل

"كنت أخشى أن يعترض على وجودها أو يطلب مني التخلي عنها وتركها مع أمي، لكنّه لم يفعل .. هي كانت في حاجة لأب، وأمين دون أن أطلب منه منحها ما تريد، وعلاقتهما تطورت بسرعة"

اختلست شذى النظر إليهما .. لا شك في هذا .. أي شخص غريب يراهما من بعيد سيظنهما أبٌ وابنته.

"غريب"

خانتها همستها وكأنّما فهمت كريمة ما تفكر فيه ربتت على ذراعها قائلة

"صحيح أن الزمن أصبح قاسيًا والرجال الحقيقيين صاروا عملة نادرة لكنّهم موجودون يا شذى .. ما زال هناك خير في هذا العالم"

ابتسمت بأسى فغمزت كريمة

"وأنتِ محظوظة لأنّكِ حصلتِ على فرصة الاستئثار بواحد من هؤلاء .. آخر الرجال المحترمين"

رمتها بنظرة نارية فضحكت صديقتها، وابتسمت هي مرغمة وشردت مفكرة في ضياء الذي منذ ذلك اليوم الذي طلب منها فرصة، وهو يواصل بإصرار دك حصونها وزعزعة عنادها وكل ما آمنت به وقررته لحياتها لكنّها ما زالت تقاوم بإصرار وترفض تسليم قلبها وحياتها بهذه البساطة.

"لا تفكري كثيرًا يا شذى .. كل شيء في هذه الحياة محفوفٌ بالمخاطر ولا شيء مضمون .. لكننا نعيش ونخوض التجارب بحلوها ومرها"

واختلست نظرة إلى زوجها وابنتها وتابعت

"انظري إليّ .. كان يمكن أن أترك تجربة زواجي الأول تواصل تحطيمي لكنني جاهدت نفسي وقررت منحها فرصة جديدة مع أمين .. هو وعدني وأنا قررت الثقة بهذا الوعد وسنفعل أنا وهو كل ما بوسعنا لنحافظ على بيتنا وسعادتنا"

استمعت لها بصمت ثم أومأت مبتسمة .. ران الصمت هُنيهة لتقول شذى

"حسنًا .. دعينا من كل هذه الأحاديث ولنستمتع بزيارتنا .. كل شيء يمكن تأجليه ما دمنا في حضرة هذا الجمال"

أومأت موافقة قبل أن يلحق بهما أمين وقال وهو يناول سُندس لكريمة التي حملتها وأحاط هو كتفيها بذراعه

"هل أخبرتِها عن المفاجأة؟"

هزت رأسها نفيًا بابتسامة ونقلت شذى بصرها بينهما

"أي مفاجأة؟"

ابتسم لبعضهما ثم قال

"أنا مشاركٌ في المعرض بمشتلي"

"حقًا؟"

والتفتت لكريمة ولكزتها

"لماذا لم تخبريني يا سوسة؟"

"أحببت جعلها مفاجأة .. هذه أول مرة يشارك فيها أمين"

ضمها إليه برقة وقال

"لتتأكدي أنّ وجهكِ كان فاتحة خيرٍ عليّ"

ضحكت شذى وهي تراها تحمر خجلًا ثم قالت

"تمام يا عصافير الحب، حان الوقت لأنسحب أنا فلديّ حساسية من هذه المشاهد .. سأذهب لأبحث عن المشتل بنفسي .. هل تأتين معي يا سُندس؟"

هزت الصغيرة رأسها ودفنته في رقبة أمها فتمتمت شذى بأسى مفتعل

"هكذا؟ .. ستتركينني بمفردي؟"

"وأين ذهبت أنا يا وردتي؟"

ترددت الجملة قرب أذنها فشهقت منتفضة للخلف، وابتسمت كريمة وأمين بخبث وهما ينظران لضياء الذي ابتسم مكملًا بمشاكسة

"يمكنني مرافقتكِ حيث تريدين أيتها الجميلة"

قطبت ترميه بنظرة ثاقبة ثم حدجت الآخرَيْن بخناجرها

"كنتما تعرفان؟"

مطت كريمة شفتيها بابتسامة مكتومة وأسرعت تشد زوجها ويهربان فيما ردد ضياء بابتسامته المشاغبة تلك

"الكل يعرف .. عداكِ"

قاومت ابتسامتها بصعوبة ورفعت رأسها بترفع مصطنع

"ما الذي تفعله هنا؟"

"ما الذي أفعله؟ .. ماذا برأيكِ؟"

تمتم بخبث قبل أن يفرد ذراعيه مشيرًا لما حوله

"ألا يأتي إلى هنا كل عشاق الزهور؟"

"حقًا؟ .. لم أعرف أنّك منهم"

ردت بتهكم وهي تسبقه للأمام فلحق بها

"كيف هذا؟ .. ألم أقع في حب ملكتهم نفسها؟"

خانها احمرار خديها وقاومت تأثر قلبها الأحمق الذي يصر على الذوبان كل مرة تراه فيها

"أولئك المخادعين سيعرفون حسابهم معي"

رددت بخشونة تخفي مشاعرها وأسرعت بخطواتها أكثر

"على مهلكِ يا شذى"

هتف وهو يسرع ليقطع الطريق عليها

"ماذا تفعل؟"

"أقف في طريقكِ لأفرض نفسي .. المفروض أنّكِ اعتدتِ"

"ضياء"

هتفت دون شعور فابتسم

"هذه ثاني مرة تنطقين اسمي مجردًأ"

"يا ربي .. لا فائدة فيك .. أنت لا تُطاق"

تمتمت بنزق وتجاوزته بسرعة لتتحرر ابتسامتها .. أخفتها سريعًا ما أن لحق بها

"ماذا أفعل يا شذايّ؟ .. ليس ذنبي أنّكِ اليوم تبدين أجمل من كل زهور المعرض مجتمعة"

رمقته من طرف عينها وتمتمت

"لا تحاول استعمال الكلام المعسول معي"

ضحك بتسامح

"لو سمحتِ ... كل شيء مباح في الحب والحرب .. من حقي استخدام كل الوسائل المشروعة لأنتصر في معركتي"

"معركتك؟"

رددت مقطبة فاتسعت ابتسامته ومال هامسًا بنبرة توحي بخطورة الأمر

"نعم .. معركتي ضد قلبكِ العنيد .. لن أتوقف حتى يستسلم"

قاومت ابتسامتها مفكرة في قلبها المسكين .. آه لو يعرف أنّه لم يعد عنيدًا كما يبدو فهو لا يتوقف في هذه اللحظات عن التراقص بين ضلوعها .. قاومت أفكارها ثم أخبرته بسرعة مغيرة الحديث

"حسنًا .. بما أنّك عاشق للزهور وأتيت اليوم لتستمتع برؤيتها فدعنا لا نتأخر أكثر"

وأسرعت تتقدمه مواصلة

"سأكون كريمة اليوم وأقدم لك جولة خاصة في المعرض"

"يا لي من محظوظ إذن"

قال بمرح وهو يلحقها لتردد بغرور مصطنع

"أنت محظوظ بالفعل .. لا أقدم هذا المعروف للكثيرين"

أطلق ضحكة عالية

"إذن أنا أتقبل هذا الشرف بكل فخر"

لمح ابتسامتها الجانبية فنبض قلبه بسعادة وسكون وقد بدأ يستشعر أنّه يتقدم في طريقه نحوها بسرعة .. ركز أفكاره عليها واقترب منها بينما بدأت هي حديثها تخبره عن أنواع الزهور والنباتات التي تقابلهما .. رغم أنّه كان مكتفيًا برؤيتها وحدها، لا ينكر أنّه استمتع بحديثها ومعلوماتها وبمشاركتها شغفها وحبها .. رؤيتها منطلقة هكذا دون تحفظ وقد نسيت كل جمودها وتحررت روحها فبدت طبيعية .. كانت أجمل من أي مرة رآها.

توقف فجأة حين قادتهما خطواتهما إلى مزرعة الصبار وتعلقت عيناه بنباتات الصبار بأنواعها العديدة وأشكالها المختلفة ولمحت هي نظراته فابتسمت .. تركته واتجهت لتتحدث إلى صاحب المزرعة، وتحرك هو متفحصًا النباتات قبل أن يلحقها ويبدأ في سؤال الرجل بعض الأسئلة .. أخبرته بعد دقائق طويلة من جولتهما في المزرعة

"هل أعجبك المكان؟"

"جدًا"

أجابها بصدق فابتسمت بسعادة قبل أن يؤنبها عقلها على تخليها بسرعة عن مقاومتها هكذا بسهولة .. لمح ما اعتراها فتنهد بقوة ثم قال

"انتظريني قليلًا"

"ماذا هناك؟"

لم يجبها وتحرك عائدًا إلى المزرعة .. راقبته بحيرة ثم انشغلت بالنظر حولها حتى عاد أخيرًا .. ارتفع حاجباها عندما وجدته يحمل أصيصين لنباتيّ صبار دائريّ الشكل تزينهما أزهار ملونة.

"هل تحب الصبار؟"

أجابها بصدق وهو ينظر للنبات

"لم أفكر من قبل حقًا .. كنت أراه مميزًا في السابق .. عامةً منذ عرفتكِ تغير كل تفكيري بخصوص هذا العالم الذي تحبينه .. كانت تعجبني الزهور لكن بعد أن عرفتكِ .. أصبحت أراهم بطريقة مختلفة"

ابتسمت وهي تتأمل النبتة بحنان وأردف هو

"لكن الصبار .. هناك سبب آخر يجبرني على حبه .. اكتشفت هذا لتوي"

بادلته نظرة تساؤل أجابه وهو يمد لها يده بأحد الإصيصين فأخذته

"هو أكثر ما يشبهكِ بين كل هذه النباتات"

خفق قلبها بقوة وكادت تسقط الإصيص لكنّها أحكمت كفيها حوله بينما اقترب خطوة منها وهمس ناظرًا في عمق عينيها

"إنّه مميز ومختلف .. ناعم من الداخل والخارج لكنّه يحيط نفسه بالأشواك لتحميه ... وتلك الأشواك لا تنقص من جماله .. إنّه قوي ويحتمل كل الظروف القاسية .. له جماله الخاص وسحره"

ورقت عيناه بمشاعره وهو يضيف

"باختصار .. إنّه يشبهكِ تمامًا لكنّكِ بالنسبة لي أجمل وأروع"

اهتز قلبها وهي ترمقه بذهول تحاول التحكم في ذلك التخبط الذي تشعره .. لماذا تشعر أنّ هذه أروع عبارات الغزل التي سمعتها؟ .. هل سمعت شيئًا أجمل من هذا قبلًأ؟

قاومت حرقة دموع غبية في عينيها وضمت الإصيص إليها كأنّما تحتمي به من ضعفها وابتسم هو مشيرًا لخاصته

"سأحتفظ به ليذكرني بكِ طيلة الوقت"

ومال نحوها يدك حصنًا جديدًا من حصونها وهو يهمس

"سيصبرني على فراقكِ حتى يشفق عليّ قلبكِ ويرضى أن تكوني معي دائمًا"

والمعني بالأمر كان يرفض التوقف عن الارتجاف داخلها، يخبرها بيقين أنّ المعركة التي يشنها ضياء عليهما معًا لن تستمر طويلًا وأنّها قريبًا ستخسر كل حصونها وتُسلم راياتها بكل رضا .. وبكل حب.

*********************

التعليقات

200

المشاهدات

30,000

الإعجابات

500

شرفنا بوجودك، اشترك من هنا

اقرأ أيضًا

وردة وقلبُك

اقرأ المزيد