الفصل السادس

"شذى .. تعالي وتحدثي مع هذا الزبون .. أنا لا أفهم طلبه"

همست روان وهي تميل على أذن شذى فأومأت وتركت ما بيدها واتجهت إليه.. تنهدت روان وهي ترتمي على المقعد ثم مالت تنظر للكتاب الذي تدرس فيه ياسمين وتراجعت بازدراء مفتعل

"يااااع .. رياضيات .. لا أحبها"

رفعت ياسمين أحد حاجبيها وقالت وهي تتابع حل مسائل الواجب

"كيف لا تحبينها؟ .. هل هناك أحد لا يحب الرياضيات؟"

شدتها روان من ضفيرتها، كما اعتادت أن تفعل لإغاظتها خلال الأسبوعين الماضيين

"نعم أنا .. لديكِ مانع؟"

تراجعت مكتفة ذراعيها وردت بعجرفة مصطنعة

"الرياضيات للعباقرة"

حدجتها روان شذرًا وضحكت كريمة وهي تتابع ترتيب صناديق الهدايا

"تركنا لكِ العبقرية يا آنسة ياسمين"

نفخت ياسمين صدرها بغرور مصطنع فلم تقاوم روان ابتسامتها .. ضربتها بخفة على رأسها لتقول ياسمين

"لا أفهم كيف تعملين في محل يحتاج أن تعرفي الحساب والمعاملات المالية"

رمتها بنظرات نارية ثم نهضت مرددة

"لماذا أصدع رأسي ولدينا هنا عبقرية صغيرة إلى جانب رئيستنا؟"

أتاها صوت شذى من الأمام

"روان .. دعي ياسمين تنهي واجبها وكُفي عن مضايقتها"

صاحت متذمرة

"روان .. روان .. ألا يوجد غيري في هذا المحل؟"

التفتت لها شذى متخصرة

"لا يوجد غيرك تتصرف كالأطفال هنا"

زمت شفتيها لتضحك شقيقتها وياسمين بينما أشارت لها شذى

"تعالي لأشرح لكِ ماذا أراد الزبون .. تعالي وتعلمي شيئًا بدل النقار كالديكة مع فتاة في نصف عمركِ"

اقتربت بحزن مفتعل فابتسمت شذى وبدأت شرحها وهي تعمل على تنفيذ الباقة .. نسيت روان كل مشاكستها وركزت معها بانبهار حتى انتهت شذى من تصميم الباقة فصفرت بإعجاب وصفقت

"لن تتوقفي عن إبهاري سيدتي الملكة"

احمر وجهها مع الإطراء بينما اندفعت ياسمين لتقف قربهما

"إنّه رائع للغاية يا أبلة شذى .. سلمت يداكِ"

التقطت روان عدة صور من اتجاهات مختلفة ثم صورت فيديو قصير وقالت لياسمين

"هذا من أجل صفحة المحل .. سينبهر المتابعون كالعادة"

هتفت ياسمين بحماس

"لدينا صفحة على الفيسبوك؟!"

أومأت مجيبة

"بالطبع .. لدينا صفحة عليه وعلى مواقع التواصل الأخرى وأيضًا لدينا قناة فيديوهات لتعليم كل شيء عن الأزهار وعن فن تنسيقها .. لدينا مئات الآلاف من المتابعين"

صفقت ياسمين بانبهار

"رائع .. لم أعرف هذا .. سأخبر كل أصدقائي في المدرسة ليشتركوا .. لقد حدثتهم عن المحل وأخبرتهم أن يُحدثوا كل معارفهم وأصدقائهم عنه .. وسيأتون ليشتروا منه"

ابتسمت شذى بحنان ومازحتها روان وهي تشعث شعرها

"ما هذا؟ .. لدينا موظف مجتهد ومُديرة تسويق مستقبلية عبقرية"

احمر وجهها بينما قالت شذى وهي ترفع الباقة وتضعها على الرف بحرص

"طبعًا يا روان .. أنا أعرف الموظف الرائع عندما أراه"

صفرت روان بمرح

"مديرتنا العبقرية واللماحة"

ضحك ثلاثتهن وهزت شذى رأسها بيأس ولم تلبث أن اختفت ابتسامتها وتحفزت خلاياها وأنفها يلتقط عطره المألوف قبل حتى أن تهتف روان بمشاكسة

"أوه … المعجب الصامد هنا"

كزت شذى على أسنانها وهي تلتفت نحو الباب لتقابلها قامته الطويلة ونظارته الشمسية التي خلعها باستعراض مستفز ككل مرة .. تنفست بحدة بينما هتفت ياسمين بحبور

"آبيه ضياء .. مرحبًا .. أنرت المكان"

غمغمت شذى من تحت أسنانها

"آبيه ضياء .. آبيه ضياء .. لقد صار يعتبر المكان بيته"

انتفضت عندما شعرت به قريبًا يفصل بينهما مكتبها وسمعته يهمس

"كيف عرفتِ شعوري بهذه البساطة؟ .. أنا فعلًا بدأت أشعر أنّ هذا مكاني وبيتي"

ابتعدت للخلف ورمقت بحنق رفيقاتها المتسليات على حسابها، فأسرعن يتابعن عملهن مدعيات التجاهل وكانت متأكدة أنّ أذانهن معها ومع ذلك البغيض الذي يحسب نفسه وسيمًا ساحرًا .. قاومت حتى لا تنظر لابتسامته بينما تردد بتهكم

"يبدو أنّ الأستاذ لا عمل له سوى التسكع يوميًا عندنا"

وخانتها نظراتها لتجده مبتسمًا بتسامح ولا كأنّها أهانته لتوها .. كزت أسنانها بغيظ .. هذا الرجل يحرق أعصابها كما لم يفعل أحدهم قبله .. منذ زيارته الأولى لم يفوت يومًا لم يأت فيه للمحل متحججًا برغبته في الاطمئنان على ياسمين ولولا تدخل رفيقتيها لاستسلمت لشيطانها وضربته بكل ما تقع عليه يداها من أدوات خطرة وأصص فخارية.

"أنا لا أتسكع .. أنا أمارس عملي الآن"

كتفت ذراعيها متمتمة بتهكم

"حقًا؟ .. لم أعرف أنّني وظفتك هنا دون أن أدري"

قهقه مرددًا

"لا .. لست موظفًا هنا .. أنا عملي وشغلي الشاغل حاليًا هو"

وصمت ناظرًا في عمق عينيها ثم أكمل

"أنتِ"

سحب البساط من تحت قدميها مسببًا ارتباكًا عنيفًا داخلها، فهتفت مقاومة ذلك الشعور الأحمق

"نعم! .. أنا؟ .. احترم نفسك يا أستاذ .. ماذا تقصد بكلامك السخيف هذا؟"

لم تهتز ابتسامته أنملة وهو يخبرها

"أنني معجبٌ بكِ مثلًا؟"

تراجعت بصدمة وتسللت لأذنيها همهات رفيقاتها فرمقتهن بحدة والتفت له تنوي الهتاف فيه بغضب لولا أن اقترب منها أكثر مضيفًا

"كنت أود لو قلت أنني أحبكِ وأريد الزواج بكِ لكنني أخشى أن تقتليني"

واتسعت ابتسامته وهو يغمز مشيرًا ليدها

"نعم .. هكذا"

انتبهت أنّها كانت ترفع مقصها الحاد ويدها منقبضة عليه بشدة .. أسقطته على المكتب وهي تتنفس بقوة .. إنّه محق .. لو لم تنتبه ربما كانت غرسته في صدره .. هذا الوقح عديم التهذيب .. من يظن نفسه؟ .. لم تتمالك نفسها فهتفت

"من تظن نفسك يا هذا؟ .. لو سمحت غادر محلي فورًا وإلا طلبت الشرطة"

رد مبتسمًا ببراءة

"وبماذا ستتهمينني؟ .. أنني معجبٌ وأريد التقدم لخطبتكِ"

هتفت بغل وعصبية

"لا .. أنت مجنون حتمًا"

هز كتفيه بقلة حيلة فصاحت فيه

"اسمع يا هذا .. لقد احتملتك كثيرًا الأيام الماضية ولن أحتمل أكثر"

مال مسندًا كفيه للطاولة مسببًا تراجعها حتى سقطت على مقعدها

"وأنا أيضًا لن أحتمل أكثر يا آنسة شذى .. لماذا تتصرفين بهجومية هكذا؟ .. أنا لم أفعل شيئًا خاطئًا"

تسارعت أنفاسها واعتدل هو مواصلًا بجدية لم تخل من مرح

"أنا جاد للغاية في طلبي .. أنا معجبٌ بكِ وأتقدم لخطبتكِ الآن وأمام هؤلاء الشهود الكرام"

قالها مشيرًا لرفيقاتها اللاتي لمعت أعينهن بحماس بينما كانت هي تحدق فيه بصدمة ولأول مرة في عمرها تجد نفسها عاجزة عن النطق.

**********************

قاد حسن سيارته بهدوء وقلبه يشعر براحة وسلام لم يشعرهما منذ وقتٍ طويل، واختلس النظر لروض الجالسة بجواره والتي تمتمت بخجل وهي تتطلع للطريق

"لم يكن هناك داع لتكلف نفسك عناء توصيلي .. كنت سآخذ سيارة أجرة"

التفت لها مقطبًا

"هل هذا كلام؟ .. سيارة أجرة وأنا موجود"

"لكن هكذا عطلتك"

ضحك قائلًا

"لا لم تعطليني عن شيء .. لقد تفرغت لكِ طيلة اليوم"

التفتت له بدهشة، فاعترف وهو يداعب طرف أنفه بحرج

"سمعتكِ أمس وأنتِ تخبرين أمي عن ذهابكِ لمحل شذى بطلبية العطور"

"آه .. هذا .."

همست بوجه محمر أشاحت به سريعًا .. لقد سمعها .. حسنًا .. هي لم تتعمد هذه المرة .. كانت تثرثر بارتباك واعية وجوده في البيت بعد أن كانت تتعمد زيارة والدته في غيابه .. هذه المرة عاد فجأة واحتل المكان مربكًا إياها أكثر .. بالتأكيد هذه المرة كانت مفضوحة أمام والدته .. انتبهت على صوته المبتسم يقول بإعجاب

"بالمناسبة .. لو كنتِ درستِ في كلية الحقوق، كنتِ ستصبحين محامية بارعة"

رمقته بخجل وارتجفت ابتسامتها وهي تهمس

"أنا لم أفعل شيئًا .. قلت ما أؤمن به فقط"

وغامت عيناها قليلًا وهي تتابع

"لا أحب رؤية أي فتاة تعامل بانتقاص أو تُحرم من حقوقها في الحياة فقط لأنّها خُلِقت أنثى"

التفت لها مبتسمًا وغمز

"أنتِ نسوية إذن .. ربما عليّ أنا أخشى على نفسي"

ضحكت قليلًا ثم قالت

"لا تخف .. لست متطرفة ولا أقتل الرجال .. ربما شذى من هذا النوع فاحترس من الاحتكاك بها"

قالت بتحذير مصطنع لكنّها في قلبها كانت تتمنى لو أنّه لا يعجب بأختها كما تفعل أمه .. لا يمكنها منافسة شذى بأي حال وهي تحبها كثيرًا لدرجة أن تتخلى من أجلها عن أي شيء تحبه .. ناداها عندما لاحظ شرودها فانتبهت

"ماذا؟ .. كنت تقول شيئًا؟"

انتبهت لوقوف السيارة جانبًا بينما يخبرها

"نعم .. قلت أشياء كثيرة لكنكِ لم تكوني معي"

غمغمت بوجه محمر

"آسفة .. شردت قليلًا .. ماذا كنت تقول؟"

تأملها مليًا ونظراته جعلت قلبها يذوب قبل أن يردد هو

"سأكون صريحًا معكِ روض"

اهتز قلبها عندما نطق اسمها لأول مرة مجردًا .. نظرت له وقلبها في عينيها فتشجع ليعترف بما يعتمل داخله

"ربما يكون كلامي هذا غريبًا أو غير منطقي .. لكنني .. لا أعرف .. منذ ذلك اليوم على الشاطئ وأنا في حالٍ غير الحال .. أنا .. لم يمر يوم لم أتذكرك فيه"

زادت نبضاتها تخبطًا وشعرت بدموعها قريبة بينما تسمعه يواصل

"لا أعرف كيف حدث هذا أو لماذا .. لا أعرف إن كان يحق لي أن أسمي هذا حبًا؟ .. لكن الذي أنا متأكدٌ منه أنني معجبٌ بكِ وأشعر بشيء كبير يشدني نحوكِ .. أخشى أن أقول أحبكِ فأتسبب في خوفكِ و.."

اندفعت هاتفة

"لن أخاف"

رمقها بدهشة ثم ابتسم وعضت هي شفتها بارتباك

"أعني .. قل ما تشعر به حقيقةً .. أنا لن أخاف"

ران الصمت قليلًا ليقول بابتسامة واسعة

"تمام .. سأقول ما أشعره صدقًا .. هذه أول مرة أشعر نحو فتاة بما أشعر به الآن .. ترددت في مفاتحتكِ منذ تقابلنا ثاني مرة .. لكن .. كل يوم يمر ازداد تأكدًا من مشاعري ومن رغبتي الصادقة وقراري"

همست وهي تنظر لعينيه بأمل

"أي قرار؟"

اعتدل يواجهها كُليًا وهمس

"أنا أحبكِ يا روض وأريد الزواج بكِ .. هل تقبلين؟"

لم تأخذ ثانية لتهتف دون وعي

"بالطبع أقبل"

لم تكد تغادر فمها حتى صفعت نفسها داخليًا، وكتمت فمها بكفها تخرس صوتها لينفجر هو ضاحكًا .. همست بعد قليل بوجه شديد الاحمرار وهو مستمرٌ في ضحكاته

"لا تضحك .. أنت تحرجني أكثر"

هز رأسه وقال وهو يعيد تشغيل السيارة

"لا يا حبيبتي .. فات وقت الحرج والخجل"

اختلج قلبها مع الكلمة التي غادرت شفتيه كأنّه اعتادها وكأنّها اعتادت سماعها منه منذ زمنٍ بعيد .. سمعته يقول

"بما أنني ضمنت موافقة العروس فعليّ الاستعداد للمواجهة القاتلة"

رمقته بدهشة فنظر لها غامزًا

"حماتي المستقبلية .. برأيك هل أنتظر عودتها للبيت؟ .. أخشى لو فاتحتها في محلها أن تقتلني بمقص تقليم الزهور أو شيء من هذا القبيل"

صدحت ضحكتها الرقيقة مرجفة قلبه كعادتها فانخفض صوته همسًا

"بعد هذه الضحكة .. أنا مستعد لأي شيء ستفعله بي أختكِ لأجل هذه الضحكة"

ابتسمت بخجل وقلبها يرتجف بسعادة بينما تابع هو طريقه بقلبٍ لا يقل سعادة عنها ممنيًا نفسه أن يمر الوقت سريعًا ويزول كل ما يقف بينه وبين حبه.

***********************

لم تشعر شذى أنّها كانت متجمدة في صدمتها تحدق فيه باستنكار وتريد الصراخ فيه أو ضربه أو على الأقل طرده خارج المحل بحضوره الوقح الذي يهدد أمانها كما لم يفعل أحدٌ قبله.

فتحت فمها لتهتف فيه بكل ما تريده لولا أن ارتفع هتاف عالٍ

"ماذا سمعت لتوي؟ .. هل أنا أحلم؟"

التفتت نحو روض الواقفة عند الباب وخلفها حسن يحمل الصندوقين .. قفزت روض بحماسها المتهور إلى الداخل وعيناها متعلقتان بضياء وهي تتابع

"سمعت أحدًا يتحدث عن إعجاب وخطبة .. هل هذا صحيح؟"

رمقها ضياء بدهشة لم تلبث أن حلت مكانها ابتسامة واسعة وهو يردد

"لا بد أنّكِ روض"

قطب حسن وهو يتقدم ليضع الصندوقين على إحدى الطاولات وعاد يقف إلى جوارها بتملك وغيرة .. صفقت هي مرددة

"كيف عرفتني؟ .. لا تقل أنّ أختي العزيزة من أخبرتك عني"

كزت شذى على أسنانها، وهي تحاول التحكم بأعصابها بصعوبة بينما مد هو يده ليصافح روض

"ضياء الغمري .. تشرفت بكِ آنستي"

انفرجت شفتاها بدهشة

"ضياء الغمري .. أنت أيضًا تـ .."

لم تكمل جملتها حين أزاحها حسن جانبًا والتقط يد ضياء مصافحًا بقوة

"تشرفنا يا أستاذ ضياء .. وأنا حسن"

"تشرفنا يا أستاذ حسن"

عادت روض تقف أمام حسن الذي كز على فكه

"تشرفنا يا أستاذ ضياء .. لم تقل لي بعد .. هل ما سمعته قبل قليل صحيح؟"

قبل أن يجيبها انتفضت شذى واقفة وضربت بكفيها على مكتبها بحدة

"يكفي .. توقفوا"

التفتوا لها بدهشة فحدجت ضياء بحدة وغضب قبل أن تندفع خارج المحل .. تحرك ليلحق بها فأوقفته روض

"انتظر يا أستاذ ضياء .. لا تتحدث معها الآن .. ستكون غاضبة بشدة"

زفر بقوة وهرش في شعره

"أظنني أفسدت الأمر"

تدخلت ياسمين بلسانها المندفع

"واضح أنّك أفسدت الأمر"

رمقها شذرًا لتتابع بحنق

"هل هذه نصائحي لك؟ .. قلت لك لا تندفع لكنك لا تسمع الكلام"

رمقوها بدهشة وضربتها روان على ظهرها هاتفة

"إذن كما توقعت .. أنتِ تساعدينه يا سوسة"

زمت شفتيها مغمغمة

"لقد أشفقت عليه .. إنّه واقع في حبها بيأس"

انفجر ثلاثتهم ضاحكين بينما ابتسمت روض وهي تنظر لوجه ضياء الذي اربد بضيق وخجل، وسألته برقة

"هل تحبها حقًا؟"

صمت لحظة وخلل أصابعه في شعره قبل أن يخبرها

"إن كانت رغبتي في رؤيتها كل يوم، وإن كانت رؤيتي لابتسامتها فقط كفيلة بتغيير يومي وحياتي، وإن كنت لم أعد أتخيل حياتي القادمة من دونها .. إن كان كل هذا يعتبر حبًا، فنعم أنا أحبها"

لمعت عيناها بتأثر وعاطفة وكاد حسن يضربها على رأسها حتى لا تنظر لأحد بهذه الطريقة سواه بينما تابع ضياء

"أنا أحبها وأريد الزواج منها .. ربما أخطأت في التعبير وخسرت فرصتي لكن"

قاطعته بحماس

"لا .. لم تخطئ ولم تخسر فرصتك"

نظر لها بتساؤل فخفضت صوتها مختلسة النظر للخارج تحسبًا لعودة أختها

"شذى تكره الرجال كثيرًا لسوء حظك .. إنها لا تطيقهم"

تراجع محدقًا فيها بدهشة ثم قال

"أنتِ هكذا لا تطمئنيني على فكرة"

ضحكت مرددة

"لا تخف .. رغم كل شراستها فهي رقيقة وطيبة القلب .. هي لا تحتاج أكثر من أن تثبت لها صدقك وإخلاصك وتواصل محاولاتك لغزو قلبها .. هي تحتاج لهجوم شرس ومتواصل على دفاعاتها .. لذا أسلوبك هذا رغم أنّه سيعرضك للخطر لكنّه سينفع للغاية معها"

رفع حاجبيه مفكرًا في كلماتها بينما مال حسن عليها هامسًا

"لاحظي أنّكِ تتفقين مع رجل غريب ضد أختكِ"

همست له بمرح

"قريبًا جدًا لن يكون غريبًا"

قطب بشدة بينما عادت تلتفت إلى ضياء الواقف بحيرة وقالت

"أنا مستعدة لأقدم لك مساعدتي يا أستاذ ضياء"

نظر لها بأمل فأردفت

"سأساعدك لتقترب منها وتأخذ فرصتك وتثبت لها حسن نواياك .. إن كنت صادقًا في حبك فعليك إثبات هذا وعليك إثبات جدراتك بها"

وصمتت لحظة بشرود ثم تابعت

"شذى لا تثق بالرجال وعليك أن تثبت لها العكس"

أومأ واعدًا فتحركت هي خطوة نحوه وقست ملامحها فجأة بتحذير جاد

"لكن حذار .. إن كانت لديك أي نوايا سيئة نحوها أو كسرت قلبها يومًا أو أبكيتها فأنا من ستقتلك"

حدق فيها مصدومًا وتراجعت هي في لحظة مستعيدة واجهتها المرحة لتهتف

"رائع .. سيكون لدينا خطبة قريبًا"

تبادلت كريمة وروان النظرات المتسلية، بينما تنهد ضياء قبل أن يخبرها

"أعدكِ يا آنسة روض .. لن أكسر قلبها ولن أبكيها أبدًا"

ابتسمت له مشيرة للخارج

"ماذا تنتظر إذن؟ .. الحق بها واثبت لها في الحال"

لم ينتظر لحظة وغادر فتنهدت هي بهيام في نفس اللحظة مع روان التي رددت بعدها

"حتى شذى آكلة الرجال أوقعت رجلا مثله في حبها؟ .. هل سأبقى أنا العزباء المسكينة بينكن؟"

وانتبهت لحسن، فاعتدلت مضيفة بمزاح

"لا .. ما زال هناك أمل .. هناك شخص وسيم هنا ويبدو أنّه .."

هتفت روض وهي تقف أمامه معترضة نظراتها إليه

"كلا … إنّه يخصني أنا"

شهقت بقوة وضربت فمها بكفها تخرس اندفاعها، فضحك حسن وشدها للخارج

"هيا يا حبيبتي .. لو انتظرتِ لحظة ستذوبين خجلًا وندمًا أمامهن"

تبعته وهي تشتعل من الحرج وضحكات روان العالية تصلها مزيدة حرجها بينما قال هو ما أن وصلا للسيارة

"روضتي قررت إثبات ملكيتها بشراسة"

غمغمت بخجل

"هل لديك اعتراض؟"

ضحك وهو يميل قليلًا نحوها

"هل أستطيع؟ .. ما صدقت أصلًا أنّكِ تميلين نحوي ولو قليلًا"

رفعت عينيها له معترفة بصدق

"ليس قليلًا .. حتى أنا .. لم يمر يوم منذ لقائنا على الشاطئ لم أتذكرك فيه .. ظللت أدعو الله أن نلتقي مرة أخرى ولا يكون ذلك اليوم مجرد صدفة"

رقت نظراته وتنفس بعمق ليتمالك نفسه فلا يستسلم لمشاعره ويضمها .. غمغم بتحشرج بعد لحظات

"من المؤسف أنّ عليّ الانتظار قليلًا"

رمقته بدهشة فأشار نحو المحل

"بالنظر لحالة شذى فأعتقد أنّ عليّ التريث حتى تصبح في حال أفضل وإلا طردتني أنا الآخر أو قتلتني إن ذهبت وطلبت يدك"

ضحكت متمتمة

"لا تخف .. شذى شرسة صحيح لكنّها لا تأكل الرجال كما تدعوها روان"

وابتسمت وعيناها تلمعان

"كما أنّه لدي شعور أنّ أختي الحبيبة ستخسر قلبها العاصي قريبًا"

وشردت تتذكر ما لا حظته عليها الأيام الماضية وعادت تتمتم

"او ربما هي بدأت تفقده بالفعل"

*********************

تنفست شذى بقوة وهي تتحرك مسرعة أسفل الأشجار الوارفة التي تظلل الطريق الهادئ ولم تلبث أن جلست أسفلها على أريكة خشبية .. ضربت الأرض بقدميها بتوتر وعصبية

"كيف يجرؤ؟ .. ذلك الوغد من يظن نفسه؟ .. كيف يطلب مني وبكل وقاحة أن .."

تلجلجت وهي تتذكر كلماته ونظراته .. منذ أسبوعين وهو يهاجمها يوميًا بتلميحاته ونظراته التي تغمرها بحرارة تتسلل إلى قلبها الذي أحاطته لسنوات بجليد قاس .. ترفض أن تضعف كأمها .. ترفض تسليم قلبها وحياتها لرجل .. ويأتي هذا الآن ليسبب لها كل هذا التخبط .. اعترفت بينها وبين نفسها أنّها فكرت فيه قليلًا منذ حادثة الحافلة لكنّها سرعان ما طردته، حتى عاد ليقتحم حياتها وهذه المرة بوقاحته وجرأته .. من يظن نفسه؟ .. عادت تهتف بحنق وهي تسبه داخلها بينما انسحب عقلها رغمًا عنها لسنوات ماضية.

كيف يمكنها الوثوق بأي رجل؟ إن كان أقرب الناس إليها داس هذه الثقة وحطمها .. كانت في الرابعة من عمرها لكنّها ما زالت تتذكر .. من الغريب أن تتذكر بهذا الوضوح لكنّ الصور ثابتة في رأسها كأنّها تراها رأيّ العين .. أمها التي تزوجت والدها عن حب لتذوق الأمرين على يديه بعد الزواج .. صوره وهو يضربها بوحشية حتى كاد يقتلها وهي تصرخ باكية .. اندفاعها لتحتضن أمها لتنالها ركلة منه جعلتها ترتطم بالحائط وتعوي كجرو جريح … كل إهاناته وشتائمه التي كانت تسمعها يوميًا ... كيف تنسى وكيف تسامح؟ .. أبوها الذي رماها هي وأمها ورفض أن يدفع قرشًا واحدًا بعد طلاقه لها .. عادت بها أمها إلى بيت جدتها العجوز في خذلان وانكسار .. كيف يمكنها أن تأمن لرجل؟ .. إن كان ركن الأمان المفترض في حياتها هو أول من حطمها .. من الجيد أنّه مات واختفى من الدنيا وإلا ظلت تلعنه كل يوم.

خطواتٌ تقترب جعلتها تنتبه فرفعت رأسها وشدت جسدها ويدها تمسح دمعة خانتها

"آنسة شذى"

التفتت له باستنكار .. كان يقف أمامها بملامح جادة مقطبًا حاجبيه .. غمغمت بغلظة وهي تهم بالوقوف

"ماذا تريد؟"

منعها من النهوض حين اقترب متمتمًا

"أعتذر منكِ بشدة"

أشاحت بوجهها فعاد يردد

"لا تذهبي أرجوكِ"

لم ترد وتشجع هو مع بقائها في جلستها وتحرك ليجلس على مقربة .. لم يفته تشنجها فأسرع يقول

"أعتذر عما حصل قبل قليل .. ربما خانني الأسلوب أو تهورت مدفوعًا بمشاعري"

اشتدت تقطيبتها وتنهد هو بحرارة والتفت مكملًا بجدية

"لكنني لم أكذب في أي كلمة مما قلتها هناك"

قاومت حتى لا تلتفت إليه فيما تابع

"أنا قلت ما بقلبي وما أشعره حقيقةً منذ أول يوم رأيتكِ فيه"

خانتها نظراتها له ولمحت كل شيء في عينيه لكنّها أسرعت تشيح بصرها

"منذ ذلك اليوم في الحافلة وكل شيء تغير في حياتي .. نزلت خلفكِ يومها ولكنني لم ألحق بكِ"

خانتها ارتجافة في شفتيها وهي تتذكر ذلك اليوم بينما يردف

"لا تعرفين كم بحثت عنكِ بعدها .. كان غباءً مني أن أركب الحافلة يوميًا في نفس الساعة علّني أراكِ لكنني تمنيت أن تتكرر تلك الصدفة"

وصمت قليلًا ثم ضحك بخفوت

"بعد أشهر يئست وقررت التوقف .. خاب أملي لكنني لم أتوقف عن التفكير فيكِ لحظة وكل يوم يزداد أملي في لقائكِ حتى رأيتكِ أخيرًا"

قطبت مستمعة له بصمت

"ذلك اليوم في إشارة المرور حين توقفتِ لتتحدثي مع ياسمين .. تصادف وكنت هناك ورأيتكِ .. أتتني الفرصة التي كنت أتمناها من القدر، ولم أكن لأتركها تضيع من يدي"

هتفت بحدة

"فاستغليت ياسمين لتصل إليّ"

ابتسم بتسامح وأجابها

"لا .. أنا فعلًا أعرفها مسبقًا وكنت أشتري يوميًا منها وكما أخبرتكِ قلت لها أنني سأجد عملًا أفضل لوالدتها وقد وفيت بوعدي قبل موافقتها هي على العمل معكِ"

فتحت فمها لتلقي باتهام آخر فأسرع يقاطعها

"وقبل أن تتهميني بأنني من دفعتها للقبول بالعمل فدعيني أؤكد لكِ أنّ هذا لم يحدث"

أغلقت فمها ولكنّها حافظت على تجهم ملامحها التي جعلت قلبه يرق، مستشعرًا الآن كل ما عنته روض .. شذى تحارب أي لحظة ضعف وتقاوم بشراسة أي محاولة لاختراق حدودها .. وهو ليس أقل من محارب يريد الوصول لقلب حبيبته وفي سبيل هذا سيواجه كل ما تبرزه من أشواك حتى يصل إلى بتلاتها الناعمة وشذاها .. قلبها الذي بات متأكدًا بعد كل ما عرفه عنها أنّه قلبٌ ناعم رقيق يحتاج فقط أن يزيل عنه طبقة أشواكه ليصل إلى خلاصة عطره.

أخذ نفسًا طويلًا وعاد يقول

"لقد تحدثت مع ياسمين بالفعل وأقنعتها أن تفكر في الفرصة التي قدمتِها لها .. لم يكن وقتها لي أي نية سوى مساعدتها .. وبالنسبة للتقرب منكِ"

صمت لحظة فرمقته بتساؤل وقد خانها قلبها وهب منتبًا ليستمع له

"أنا لم أكن بحاجة لها لأحاول الوصول إليكِ .. أنا أصلا أتيت في نفس اليوم ووقفت على مقربة من محلكِ"

خفق قلبها لكنها نظرت له متمتمة بتجهم

"لم يكن هذا تصرفًا أخلاقيًا منك"

ضحك مرددًا

"لماذا؟ .. أنا لم أفعل ما يشين .. وجدت فتاة أحلامي وذهبت مسرعًا لرؤيتها ولست نادمًا أبدًا"

رغمًا عنها احمر خداها فأسرعت تهتف بشراسة

"أنا لست فتاة أحلامك"

رد مترفقًا

"أنتِ من سيعرف هذا أم قلبي؟ .. أنا أعرف أنّكِ من كنت أبحث عنها وأريدها .. بكِ كل المواصفات التي حلمت بها في حبيبتي وزوجتي المستقبلية"

وخانته نظراته لوجهها وشعرها وضحك مردفًا بشيء من الحرج

"حسنًا .. لأقل أنّني تفاجأت قليلًا فلم أتخيل وقوعي في حب ساحرة بهذا الجمال"

حدجته بصدمة ليبتسم بحب مثيرًا ارتباكًا غير مرغوب فيه بقلبها

"لنقل أنّ جمالكِ هذا جاء هدية إضافية .. لكن لأعترف .. ما جذبني إليكِ هي ابتسامتكِ .. حين خانتكِ ابتسامتكِ وأنتِ تشمين وشاحكِ الوردي شعرت بعالمي كله يتزلزل .. قلبي المسكين تلقى ضربة غير عادلة"

كانت تتذكر وشاحها بأسى حين أتت كلماته الأخيرة لتسبب لقلبها ربكة جديدة .. نهضت بارتباك وغمغمت بضيق مفتعل

"لا أعرف حقًا ماذا تريد بعد كل هذا"

نهض بدوره

"لا تعرفين بعد كل ما قلت؟ .. أخبرتكِ ماذا أريد يا شذى"

التفتت باستنكار لنطقه اسمها مجردًا لكنّه تابع ببساطة

"قلت لكِ أحبكِ وأريد الزواج منكِ"

هتفت باندفاع

"وأنا لا أريد الزواج"

"لماذا؟"

سألها بإصرار فتراجعت مرتبكة مع اندفاعه قبل أن تهتف

"هكذا .. أنا حرة .. لا أريد الزواج"

اقترب خطوة أربكتها أكثر

"لماذا يا شذى؟ .. من حقي أن أعرف لماذا ترفضني الفتاة التي أحبها؟"

ارتجفت شفتاها وصاحت فيه

"ليس من حقك .. أنا لا أحبك ولا شيء بيننا لتبحث عن مبرر لرفضي .. أنا لا أريد الزواج وحسب"

عاد يقول بتصميم

"ليس وأنا أشعر بشيء يربطنا .. ليس وأنا أرى اضطرابكِ حين أتواجد ونظراتكِ التي تخونكِ .. ارتباككِ .. لقد راقبتكِ جيدا وراقبت تعاملكِ مع زبائنكِ من الرجال، ولهذا أنا واثق من أنّ شراستك وتعاملك الجاف معي أنا بالذات سببه أنّكِ بدأتِ تشعرين بشيء نحوي"

هتفت بشراسة

"أنت تهذي"

ابتسم ناظرًا لعمق عينيها يخاطب روحها المرتبكة بحق

"بل أرى ما خلف واجهتكِ الشرسة هذه وما رأيته خلال الأيام الماضية هو ما جعلني أتقدم بثقة هذه المرة وكلي أمل"

عاندت مشيحة بوجهها

"وأنا أخبرتك ما عندي"

سألها دون مواربة بعد برهة

"ما الذي تخافين منه يا شذى؟"

ارتجف جفناها ولم ترد فتابع بإصرار

"أعرف أنّ وراء كراهيتكِ للرجال سببا، وربما سبب سيء للغاية لكنني لن أتراجع .. لن أجعل تجربة سيئة مررتِ بها أو سببها شخص لا يستحق أن يُسمى رجلًا، أن تجعلني أخسر المرأة الوحيدة التي أردتها في حياتي"

خفق قلبها بعنف مع كلماته وتساءلت بجزع عن مقدار ما يعرفه عن حياتها وماضيها وكأنما فهم ما يدور بعقلها ابتسم قائلًا بحنان رقيق

"لا أعرف ما مررتِ به يا شذى لكنني أشعر بكِ .. لا أعرف متى اقتربت منكِ لهذه الدرجة التي بت أرى فيها مشاعركِ وأفهم ما يدور خلف واجهتكِ .. أفهم نظراتكِ وأشعر بكِ"

تململت بغير راحة بينما واصل دك الجدران حول قلبها

"لم أكن قط شخصًا عاطفيًا ولم أفكر أنني سأقع في الحب بهذه الطريقة الخيالية .. قبل أشهر فقط كانت أقصى أمنياتي أن أنجذب للفتاة التي سأتقدم لخطبتها وأشعر نحوها بما يكفي لأؤسس معها بيتًا … حتى رأيتكِ .. وقتها كل شيء تغير في قلبي وعقلي"

غمغمت بتثاقل ورغبتها في الهرب تزداد

"ماذا تريد؟"

"فرصة"

أجابها بقوة فنظرت له ليترفق في كلماته

"فرصة لأثبت لكِ أنني أستحق .. فرصة لأمنحكِ السعادة التي تستحقينها .. فرصة لأثبت لكِ أنّ الرجال مختلفون وأنّ هناك بيننا من يحب بصدق ومن يمنح قلبه وحياته ويعرف كيف يسعد المرأة التي كرمه الله بها"

غصة وقفت في حلقها، وضعف غريب لم تشعره من قبل .. ضعف أقسمت أنّها لن تمر به يومًا .. أمها التي قتلها ضعفها وقلبها الذي منحته لمن لا يستحق .. كلماته ووعوده بحياة وحضن ودفء أسرة .. هذه الوعود قتلتها داخلها وهي تكبر وتمر بمراهقتها .. في حين كانت الفتيات حولها يسعدن بنظرات الشباب لهن ويتحدثن عن الحب وفتيان الأحلام، كانت هي تقتل تلك الأحلام … لا .. هي لم تجد الفرصة أصلًا لتسمح لبذورها بالنمو .. تلك البذور ماتت يوم رأت قسوة والدها ونالت نصيبها منها .. استنجدت بذكرياتها لتصمد خلفها من هجومه الذي كاد يشدها لتلك الأحلام ويجعلها تأمل أن تعيش يومًا تلك الصور التي يرسمها لها.

رفعت رأسها وواجهته بعينين باردتين لكنّه رأى ما يعتمل حقيقةً في أعماق قلبها

"أنا آسفة .. أتمنى لك حقًا حظًا موفقًا لتعثر على المرأة التي تستحقك لكن أنا"

أردفت بعد هنيهة بتحشرج

"أنا ليس لدي القدرة على الحب ولا أن أمنحك ما تتمناه .. آسفة"

قالتها وتحركت مسرعة، تتبعها عيناه بأسى .. مسحت هي بقوة دمعة خانتها ورفعت ذراعيها تحتضن جسدها وشعور شديد بالبرد انتابها لم يكن له أي علاقة بهذا الوقت من السنة.

******************

اقتربت سهير من ابنها الراقد على الأريكة وعلى شفتيه ابتسامة هائمة بينما كانت تناديه قبل لحظات دون أن تجد ردًا فتركت المطبخ وأتت لتجده على هذه الحالة .. توقفت أمامه وابتسمت مرددة

"الله الله .. أنا أناديكِ منذ الصباح وأنت هنا تحلم بعينين مفتوحتين"

انتفض على كلماتها واعتدل بسرعة هاتفًا

"حاجة سوسو .. يا حاجة سوسو .. هل هناك أحد يوقظ حالما من أحلامه بهذه الطريقة؟"

تخصرت قائلة

"إذن أنت تعترف؟"

نهض ليحيط كتفيها بذراعه

"أعترف وأعترف ويمكنني أن أبصم لكِ على إقرار"

ضحكت بينما يجلسها على الأريكة وجلس أمامها .. وضع رأسه في حجرها لتداعب شعره في حنان قائلة

"حالتك صعبة .. أخبرني .. هل ما أشعر به حقيقي أم أنني أتوهم؟"

ردد وابتسامته تتسع متذكرًا ما حدث مع ساحرته اليوم

"بل حقيقي يا أمي .. وأحلى حقيقة"

رفعت رأسه هاتفة بلهفة

"هل تتحدث صدقًا يا حسن؟ .. هل اقتنعت بكلامي أخيرًا؟"

وكادت تنهض من حماسها

"متى تنوي أن نذهب لخطبتها؟ .. ربما .."

أسرع يقاطعها ضاحكًا وهو يعيدها لمجلسها

"لحظة يا أمي .. لا تندفعي هكذا واسمعيني للآخر"

جلست مقطبة فنظر لها مليًا بنظرات استعطاف ذكرتها بطفولته وأدركت أنّ وراءها طلبًا

"أمي .. تعرفين أنني أحبكِ، صحيح؟"

توجس قلبها لكنّها أومأت فتابع وهو يتناول كفها ويقبله

"وتعرفين أنني لا يمكنني أن أعصي لكِ أمرًا؟"

رفعت أحد حاجبيها فضحك مصححًا

"حسنًا .. أعترف أنني أتعبتكِ في أمر زواجي وأنني كنت أرفض كثيرًا لكن"

صمت لحظة ثم ابتسم بسعادة

"لكنني كنت أنتظر الفتاة المناسبة .. الفتاة التي سأعرف ما أن أراها أنّها هي من أريدها زوجة وأمًا لأولادي"

عادت ابتسامتها تشرق في عينيها

"ووجدتها أخيرًا؟"

غامت عيناه وهو يهمس بعاطفة

"وجدتها وكانت أجمل من كل أحلامي .. عرفت من أول لحظة أنّها هي من كنت أنتظرها"

"وماذا تنتظر إذن؟ .. لقد وعدتني أن توافق على الخطبة فور عودتك وانتظرت أن تأتي وتخبرني"

عاد لصمته مثيرًا قلقها فرفعت رأسه

"ما الأمر يا حبيبي؟ … لماذا أنت مهمومٌ هكذا؟"

تنهد بحرارة ونظر لعينيها برجاء

"ليست شذى من أريد يا أمي"

قطبت بحيرة

"ليست شذى؟ .. من تريد إذن"

ترددت الإجابة بعقلها في اللحظة التي نطق فيها بعاطفة هزت قلبها

"روض"

*************************

التعليقات

200

المشاهدات

30,000

الإعجابات

500

شرفنا بوجودك، اشترك من هنا

اقرأ أيضًا

غلاف رواية وللحبِ فرصٌ أخرى
وللحبِ فرصٌ أخرى

أحيانًا كثيرة نكابر حين نقع في الحب، نعاند ولا نعترف بسهولة أننا قد أحببنا، خاصة حين يكون من وقعنا في حبه عدوًا... وأحيانًا أخرى يضع القدر في طريقنا أ...

اقرأ المزيد