الفصل العاشر والأخير

تسللت سهام بخفة عائدة إلى غرفتها وتمددت بحذر جوار زوجها الغارق في النوم .. رمقته بضيق قبل أن تبتسم بخبث وهي تعد اللحظات بفارغ الصبر متوعدة روض وأختها .. لمعت عيناها وهي تتذكر كيف خدمها القدر بعد أن كانت تنوي فضح شذى حين تسللت خلفها لتجدها تقابل ضياء وكانت في طريقها لتفتعل فضيحة لهما وتتهمها أنّها تحاول إغواءه، عندما لمحت من مكانها تلك السيارة تقترب وذلك الغريب ينزل منها وفي ثوان تذكرت حديثهما عن خطيبها وفي لحظة لمعت الخطة كلها في عقلها لتنزل مسرعة إليه .. لحسن الحظ أنّها تنصتت عليهما جيدًا وجمعت ما يكفي من معلومات لتتخلص منهما.

الغبيتان تجرأتا وتحدتاها .. ستخلص منهما بضربة واحدة .. لن تبقى تلك الشقراء المتعجرفة في البلدة بعد الفضيحة التي ستحدث بعد قليل ... وأختها التي تظن نفسها شيئًا لن تجد بُدًا من الرضا بشقيقها المتزوج والذي رفضته بحجة أنّها مخطوبة لآخر.

رمقت زوجها بنقمة وغضب تتذكر كيف حاولت إقناعه بإجبار أخته على الزواج من شقيقها وحاولت تنفيره منها لكنّه ما أن عاد وجلس مع أشقائه حتى رجع لها بوجه متغير وقد تبدل تفكيره .. عبثًا حاولت غسل ما قالوه له وذلك الهراء عن حقها في إرث أبيهم وأنّها مخطوبة مسبقًا .. لن تسمح بهذا .. يجب أن تتزوج شقيقها وذلك الأحمق ضياء يجب أن تجد طريقة لتزوجه من شقيقتها .. هكذا ستضمن أن تتمتع هي وأسرتها بكل شيء .. لن تدع صعلوكة شقراء من المدينة ولا أختها التي تشبه الساحرات تلك تفسدان ما خططت له طويلًا.

انتظرت برهة وعيناها على الباب وابتسمت .. مؤكد وصل غرفتها الآن وقد حان الوقت .. مالت نحو زوجها تهزه مرددة بصوت مرتعش

"زاهر .. استيقظ يا زاهر .. سمعت صوتًا"

تململ في نومه بانزعاج لتسبه بقهر ثم عاودت هزه هاتفة بخوف مفتعل

"استيقظ يا رجل .. سمعت صوتًا في الخارج .. ربما هناك لص"

تأفف مغمغمًا بنعاس

"نامي يا امرأة وكفي عن التهيوأت"

رفعت قبضتها وكادت تضربه حين دوت صرخة عالية فلمعت عيناها بقوة وأسرعت تهتف حين انتفض مستيقظًا

"سمعت .. لم أكن أتخيل .. هناك لص"

انتفض من الفراش واندفع بثياب نومه

"من يصرخ؟"

"إنّها روض .. الحق ربما هناك لص في غرفتها"

هتفت من خلفه وهي تتمدد في الفراش مبتسمة بسعادة وشماتة، تداعب أساورها الذهبية وتمتمت بشماتة

"يا أهلًا بالفضائح"

********************

لم تجد روض الفرصة لتشرح لإخوتها، لم تجد الفرصة حتى لتصرخ وثلاثتهم يندفعون بعصيهم الغليظة وسمعت زاهر الذي كان أول المقتحمين

"ماذا تفعل يا كلب؟ .. كيف تجرؤ وتتهجم على بيت الغمري ونسائهم يا واطي؟"

واندفع مروان دون أن يمنحه الفرصة، ولكمه بقسوة أسقطته أرضًا، فصرخت اسمه بجزع .. لم ينتبهوا لها وثالثهم عزمي يندفع ليشده من ياقته يرفعه إليه

"أيها الخسيس .. ستعرف جيدًا كيف تتجرأ على حرمة البيوت في أنصاص الليالي"

قاوم حسن بكل قوته

"أنتم مخطئون .. هناك سوء .."

صرخت روض عندما سقطت لكمة من مروان على فكه ونهضت مندفعة نحوهم

"توقفوا .. توقف يا مروان"

امتزجت صرختها باندفاع ضياء للغرفة تتبعه شذى التي اتسعت عيناها بجزع حين رأت حسن يسقط بعد ضربة شديدة تلقاها من عصا زاهر الذي هتف

"الكلب يتهجم على بيتنا .. هل ظننت أن .."

أسرع ضياء يقف في طريقه متلقيًا الضربة على ساعده

"توقف .. إنّه حسن خطيب روض"

توقفت يد عزمي في الهواء، وقطب مروان ناقلًا بصره بين روض وحسن الذي تهالك على ركبتيه وانفجرت هي باكية بحرقة فاندفعت شذى تحتضنها

"خطيبها؟"

ردد مروان متبادلًا النظر مع شقيقيه قبل أن تتوحش نظرات زاهر واندفع إلى حسن هاتفًا بغضب

"وماذا يفعل خطيبها في غرفتها في هذه الساعة من الليل؟ .. هه ماذا يفعل؟"

توقف ضياء أمامه، لتشتعل عينا زاهر وهو ينظر لأخته بشعرها المكشوفة وثياب نومها فصرخ بجنون وهو يدفع ضياء جانبًا ثم يهجم على حسن يرفعه من ياقته

"الجواب واضح .. تعال .. سأكون ملعونًا لو تركتك الليلة"

دفعت روض شذى واندفعت صارخة باسم حسن، وتوقفت أمام أخيها هاتفة

"حسن لم يفعل شيئًا .. لا تؤذه .. هناك سوء فهم"

انتزعها مروان عن الطريق صائحًا

"أي سوء فهم يا روض هانم؟ .. سنعرف حالًا أي سوء فهم"

وهتف بزاهر

"خذه للمضيفة ليعرف حسابه جيدًا"

قاومت روض قبضة عزمي الذي منعها من الجري خلفهم بينما ضياء يهتف بغضب

"توقفوا .. ماذا ستفعل يا مروان؟"

لم يجبه أحدهم بينما استسلم حسن الذي أنهكه الضرب من ثلاثتهم وتحرك بخطوات متهالكة .. تركها عزمي لاحقًا بشقيقيه فاندفعت نحو ضياء وتشبثت به مرددة بحرقة

"أنقذه يا ضياء .. حسن لم يفعل شيئًا، والله لم يفعل شيئًا .. حسن لا يمكن أن يفعل ما يظنونه"

أومأ مربتًا عليها بحنان

"لا تخافي .. سأذهب وأمنعهم حالًا وأعرف ماذا حدث"

وغادر بسرعة لتبكي هي أكثر فاندفعت شذى تحتضنها هامسة لها

"لا تخافي .. لن يحدث له شيء"

وأخذتها نحو الفراش لتجلسها عليها مواصلة هدهدتها وروض تردد

"أنا السبب .. أنا السبب يا شذى .. لقد أتى بسببي وأنا صرخت وهُم .."

"اهدأي .. لن يحدث له مكروه .. ضياء لن يسمح لهم"

أخبرتها برفق ثم أبعدتها تمسح دموعها بحنان

"اهدأي وأخبريني ماذا حدث بالضبط؟"

********************

"كلامه صحيح .. هناك عشرات المكالمات منه على هاتفي"

قال ضياء رافعًا هاتفه أمام أشقائه الذين تبادلوا النظرات الغاضبة قبل أن يقول أكبرهم محي الدين.

"هذا لا يبرر دخوله البيت دون إذن ولقائه بروض هكذا .. هناك أصول يا حضرة الدكتور المحترم، أليس كذلك؟"

وجه كلامه الصارم إلى حسن الجالس على الأريكة يمسح بقطعة من القماش الدم عن شفتيه وأنفه وزفر هاتفًا بحدة

"قلت لكم .. الأمر سوء فهم .. هناك من خدعني في هذا البيت وأوهمني أنّكم تحبسون روض"

قابلتهم أنظارهم المكذبة، فبصق بعض الدم واعتدل في جلسته ليؤلمه جسده كالجحيم .. تأوه قبل أن يواصل مواجهًا نظراتهم المشتعلة

"أنا أقول الحقيقة .. سيارتي تعطلت وهذا ما جعلني أصل متأخرًا ولم أجد بُدًا من القدوم إلى هنا ... اتصلت بضياء كثيرًا لكنّه لم يرد واتصلت على شذى أيضًا وهاتفها كان مغلقًا .. عندما وصلت قررت السؤال عن ضياء فأنا لا أعرف مكانًا في بلدتكم أقضي الليلة فيه وكنت أنوي الانتظار إلى الصباح حتى ألتقي بخطيبتي"

زمجر زاهر ضاربًا بعصاه الأرض فابتسم حسن ببؤس وردد شاعرًا بكل عظمة من جسده مهشمة

"منك لله يا زياد يا هاشمي .. منك لله"

هتف عزمي بحدة

"ماذا تقول؟"

تنهد بحرارة وأجابه

"لا شيء .. كنت أًحسبِن على أحدهم .. هو السبب فيما أنا فيه الآن"

قطبوا بعدم فهم قبل أن يقول كبيرهم بغلظة

"ولماذا يجب أن نصدق روايتك هذه؟"

"لست في حاجة لأتسلل لرؤية خطيبتي"

أخبرهم بملل، فتدخل زاهر بحدة

"ولمّا هي خطيبتك لماذا لم تشرفنا بطلتك البهية هذه منذ قدومها؟"

نظر لضياء رافعًا حاجبه بسخرية فزفر ضياء وقال

"كان هناك خلاف بسيط بينهما وهي كانت رافضة رؤيته، ولهذا طلب مساعدتي .. لم أعرف أنّه قادم اليوم للأسف"

هتف حسن بقهر

"وخطأ من هذا؟ .. لماذا لا تحتفظ بهاتفك اللعين قربك؟"

كز ضياء على أسنانه بينما هتف زاهر

"إذن هي رفضت رؤيتك فتسللت لرؤيتها في غفلة منا؟"

نفخ بنفاذ صبر

"نقول ثورا يقولون احلبوه .. يا أستاذ زاهر .. أخبرتكم أنّ امرأة فتحت لي الباب وقالت أنّكم تحبسون خطيبتي وترغمونها على الزواج من ابن عمكم لتستولوا على إرثها"

"ما هذا الهراء؟"

هتف عزمي وهو ينتفض واقفًا وأشار محيي الدين آمرًا

"تابع"

ردد بنزق

"قالت أنّ حسن وشذى عارضا الأمر لكنكم قمتم بحبسهما وستزوجون روض في الغد و توسلتني أن آخذها وأهرب"

قال عزمي ساخرًا

"وأنت صدقتها في الحال؟"

هز كتفيه

"لم يكن أمامي خيار .. لقد رمت بكلامها وتركتني بسرعة واختفت وأنا من قلقي على روض لم أفكر جيدًا .. عندما دخلت الغرفة ووجدتها غير مغلقة وروض تحدثت معي ظنًا منها أنني شذى عرفت أنّها كانت خدعة .. وروض صرخت قبل أن أمنعها وأنتم أتيتم"

ونقل بصره بينهم مردفًا

"بعد كل ما حدث الآن أنا متأكد أنّها تعمدت هذا لتتسبب في فضيحة لي ولروض"

ضرب زاهر الأرض بعصاه بعصبية، وقطب ضياء مفكرًا بقلق وعقله يفكر في احتمال واحد وشخص واحد يمكن أن يفعل شيئًا كهذا .. شخص يعرف جيدًا هدفه ومكسبه مما حدث .. سمع مروان يقول بسخرية

"إذن أنت تتهم واحدة من نساء بيتنا أنّها فتحت لك في هذا الوقت المتأخر وأدخلتك غرفة أختنا؟"

رغم وجوههم المتجهمة ونظراتهم المحذرة من أن يتجرأ ويؤكد اتهامه ورغم عظامه التي تصرخ رفع رأسه قائلًا

"نعم"

هتف زاهر ضاربًا كفيه

"يا مثبت العقل والدين"

أسرع ضياء يتدخل عازمًا على تأكيد شكوكه والتخلص من مصدر التهديد والسموم داخل أسرته نهائيًا

"تمام يا حسن .. أنا أصدقك ... صفها لنا لنتأكد من هويتها"

قطب مترددًا بينما انتفض زاهر

"هل جننت؟ .. أنت تصدقه وتتهم نساءنا؟"

رد ضياء بهدوء

"لا تنس أنّ هناك خادمات في البيت أيضًا؟ .. ربما تكون إحداهن"

تنفس زاهر بعصبية وغضب، ورفع محيي الدين كفه

"ضياء محق"

"ماذا تقول يا محيي؟"

هتف زاهر وعزمي معًا بينما التزم مروان الصمت وعيناه على شقيقه الأصغر الذي لمعت عيناه بطريقة يحفظها جيدًا وعرف أنّه ينوي على شيء، فتدخل

"أنا مع رأي ضياء"

التفتا له باستنكار فهز كتفيه

"خلونا مع الكذاب حتى باب الدار"

والتفت لحسن مردفًا بصرامة

"صفها لنا يا أستاذ لنتأكد من كلامك"

صمت بتردد فقال زاهر ساخرًا

"ماذا؟ .. تفكر في كذبة جديدة"

التفت له بحنق وهتف

"لم أر ملامحها جيدًا .. كانت تخفي وجهها بالوشاح .. لكنني أعرف صوتها و"

صمت لحظة فاستحثه ضياء

"هل تذكرت شيئًا؟"

أومأ مجيبًا

"كانت ترتدي أساور ذهبية في ذراعيها .. كثيرة جدًا وتصدر رنينًا، وعندما فتحت أول مرة كاد الوشاح ينزلق عن شعرها .. كان أسود ناعمًا"

اختلس ضياء النظر لزاهر الذي قطب وشيء من الشك تسلل إلى عينيه وتابع حسن مفرقعًا إصبعيه

"عندما تحركت مبتعدة انكشف وشاحها قليلًا عن خدها .. لديها شامة مميزة هنا"

انتفض زاهر هاتفًا

"أنت كاذب"

"أنا لا أكذب .. لقد لمحتها في النور قبل أن تختفي هي داخل البيت"

وقطب هُنيهة ثم أردف

"بالمناسبة .. اتجهت نحو الجهة المقابلة من البيت"

شحب وجه زاهر وتبادل أشقاؤه النظرات ثم نظروا إليه فهتف

"هذا ليس دليلًا .. يمكن أن تكون إحدى الخادمات .. أو إحدى .."

قاطعه محيي الدين بصرامة

"ناد زوجتك يا زاهر"

"ماذا قلت؟ .. لا يمكن أن .."

ضرب بعصاه الأرض آمرًا

"قلت ناد امرأتك .. سأتأكد منها بنفسي ويا ويلها يا سواد ليلها لو صح كلامه"

*******************

واصلت شذى مسحها بحنان على رأس روض المستند على ساقها .. تململت روض مرددة ببكاء مختنق

"لماذا لم أعد أسمع صوتهم؟ .. هل فعلوا به شيئاً؟"

"اهدأي حبيبتي .. قلت لكِ لن يفعلوا شيئًا"

أمسكت يدها بتوسل

"أرجوكِ يا شذى .. أريد أن أراه .. خذيني إليه لأطمئن عليه بنفسي"

ربتت عليها برفق

"اهدأي أنتِ .. سأذهب لأحضر لكِ مشروبًا مهدئًا"

"لا أريد"

هتفت باكية فقبلت جبينها هامسة

"تمالكي أعصابكِ حبيبتي .. سأذهب وأنادي ضياء وأرى ماذا فعلوا وآتي فورًا لأطمئنكِ"

ووقفت لتتشبث روض بيدها برجاء باكية فأخبرتها

"لا تخافي .. سأعود فورًا ولو سمح ضياء لكِ بمقابلته سآتي لآخذكِ"

هزت رأسها بخوف فمسحت شذى دموعها بحنان وغادرت إلى المطبخ .. كانت على وشك دخوله حين سمعت اثنتين من الخادمات تقول إحداهن بصوت خفيض بالكاد التقطته

"أقسم لكِ رأيتها بعينيّ هاتين اللتين سيأكلهما الدود"

هتفت الأخرى وهي تضرب صدرها

"الست سهام؟! .. لا أصدقكِ"

عادت تقسم مغلظة

"والله العظيم كانت هي وسمعتها بأذني وهي تخبره عن غرفة الست روض"

مصمصت الثانية فمها بينما غلت النيران في قلب شذى .. إذن فتلك الحرباء هي السبب.

********************

تحركت سهام بتوتر وهي تفرك كفيها … لماذا توقفت أصواتهم؟ .. هل قتلوه؟ .. بدأت الشكوك تنهشها وعقلها بدأ يفيق من فورة النصر والشماتة ليفكر متأخرًا .. ماذا لو تدخل ضياء؟ .. ماذا لو أخبرهم؟ .. لا .. لقد غيرت صوتها وأخفت وجهها .. لن يعرفها .. ربما يشكون في إحدى الخادمات.

عادت تطمئن نفسها وكل لحظة تمر تحرق أعصابها أكثر .. تناولت وشاحها الأسود مقررة أن تذهب لتتسمع الأخبار بنفسها .. لم تكد تضعه حتى اندفع زاهر إلى الغرفة بوجه مشتعل فتراجعت شاهقة بذعر

"ما بكِ؟ .. هل رأيتِ عفريتًا؟"

همست بارتباك

"لقد أفزعتني بدخولك هكذا"

حدجها بنظرات أقلقتها وتوقفت عيناه عند شامة خدها .. رفعت يدها تلقائيًا تتحسسها فرنت أساورها، وكأنما منحه صوتها الضوء الأخضر اندفع فجأة نحوها .. تراجعت بفزع لتسقط على الفراش، ولم يمهلها لتفهم إذ قبض على معصمها وشدها للخارج .. هتفت وهي تحاول شد يدها

"ماذا تفعل يا زاهر؟ .. هل جننت؟"

"امشي معي يا سهام ودعي ليلتكِ تمر"

انقبض قلبها برعب ... هل عرف؟ .. هل أخبرهم ذلك الرجل؟ ... لا يمكن .. سيقتلها زاهر .. سيقتلها .. يجب ان تفكر .. فكري يا سهام فكري.

شعرت بعقلها متجمد بهلع خلال اللحظات التي استغرقتها المسافة إلى المَضْيَفة وما أن دخلاها حتى دفعها بقسوة كادت تسقطها .. نقلت عينيها المرتعبتين في وجوههم وسقط قلبها ... توقفع عيناها على وجه حسن المليء بالكدمات والذي ابتسم لها ساخرًا فالتفتت إلى زوجها هاتفة بغضب

"هل جُننت يا زاهر؟ .. كيف تدفعني هكذا أمام أشقائك وأمام الغرباء؟ .. ألا تخجل؟"

كز على فكه وواصلت هي بحرقة

"إن عرف أبي وإخوتي بـ .."

قاطعها ضياء ساخرًا

"فعلًا .. أود لو أعرف رد فعلهم حين يعلمون بما فعلته"

ارتجفت شفتاها وتمتمت بشحوب

"أ .. أنا لم أفعل شيئًا .. ماذا تقول؟"

وتراجعت هاتفةً بغضب مفتعل

"لن أنتظر لحظة واحدة لأعرف أصلًا .. سأذهب لأبي و…"

أوقفتها قبضة زاهر وأعادها مكانها بغلظة

"توقفي عندكِ"

رمقته بألم وخذلان مصطنعين بينما قال محيي الدين

"خطيب روض يقول أنّكِ فتحتِ له الباب وادعيتِ أنّها مسجونة وستتزوج قسرًا، صحيح؟"

صاحت باندفاع

"كاذب .. أنا لم أفعل شيئًا من هذا .. إنّه كاذب"

ورمقت حسن بكراهية وهتفت

"هذه أول مرة أراه"

رد حسن بحدة

"ولكن هذه ليست أول مرة أراكِ وأتحدث معكِ"

فتحت فمها لتشتمه وقاطعها محيي بصرامة

"قولي الحقيقة يا سهام قبل أن تخسري فرصتكِ .. لو .."

قاطعته بوقاحة وتخصرت

"لو ماذا؟ .. هل تتهمونني لتتستروا على قلة أدب أختكم التي تستقبل الرجال في"

شهقت عندما شدها زاهر من شعرها

"لقد صبرت عليكِ وعلى لسانكِ الزفر هذا كثيرًا يا سهام .. وعزة جلال الله إن صدق كلامه لترين مني وجهًا لن يعجبكِ أبدًا"

طفرت دموعها وهي تمسك بقبضته تحاول فكها عن شعرها

"دعني .. سأخبر أهلي وستعرف حسابك معهم أنت وأهلك"

التفت محيي الدين سائلًا

"هل هذه من تحدثت معك يا دكتور؟"

قطب مجيبًا دون تردد

"إنّها هي .. صحيح كان صوتها متغيرًا قليلًا لكن أنا واثق أنّها نفس الشخص"

"كاذب .. تتهمني كذبًا لتفلت بفعلتك"

وقف مقاومًا صرخات عظامه، وغضبه الشديد كلما تذكر رعب روض وبكاءها دفعه ليهتف فيها

"بل أنتِ الكاذبة .. أنتِ من ادعت أنّ خطيبتي في خطر وأنّها محبوسة""

"كذب .. لم يحدث"

والتفتت لزوجها وصاحت

"كنت غرقانة في سابع نومة وأيقظني ذلك الصوت .. أيقظت زاهر ليرى ماذا هناك وبعدها سمعنا صرخة روض"

"لماذا تكذبين يا هذه؟ .. لماذا تفعلين هذا من الأصل؟ .. لتشوهي سمعة روض؟"

صاحت بغل

"أنت هو الكاذب .. أنت من أتيت وشوهت سمعتها ثم تتبلى عليّ أيها الحقير"

أشار لها بإصرار

"أنا متأكد أنّها أنتِ .. رأيت شامتكِ وأساوركِ .. صوتكِ ليس غريبًا"

دافعت عن نفسها بعناد

"إنّها تلك الساحرة .. هي من أخبرتك لتصفني لهم .. فعلت هذا لتتسبب في طردي، ولتبعد شقيقتي عن الطريق ويخلو الجو لأختها فتتزوج من ضياء .. لماذا أشوه سمعتها وأنا طلبت يدها لشقيقي؟"

لمح ضياء الشكوك تتسلل إلى أعينههم فأسرع يقول وسط تبادلها الاتهامات مع حسن

"أنتِ من أخبرته أن يُهرِبها قبل أن تتزوج، وأنني وشذى محبوسان"

"لم يحدث .. إنّه يكذب"

هتف فيها بغضب أكبر

"أنتِ هي الكاذبة .. لقد رأيتكِ بعيني"

اندفعت دون تفكير

"بل أنت الكاذب .. كيف رأيتني وأنت أصلًا فوق السطح مع تلك الـ .."

شهقت بجزع تكتم كلماتها وتراجع هو بابتسامة ظفر

"ألم تقولي لتوكِ أنّكِ كنتِ غرقانة في سابع نومة؟ .. كيف عرفتِ أنني كنت فوق السطح؟"

شحب وجهها وتلجلجت وهي تلمح نظرات زوجها تشتعل أكثر

"أنا لم أعرف .. أنت دائمًا .."

اندفعت شذى فجأة للداخل هاتفة

"بالطبع تعرفين لأنّكِ كنتِ تراقبيننا أنا وضياء، وأنتِ من فتحتِ الباب لحسن"

ارتفع حاجبا ضياء وهو يراها تشد خلفها إحدى الخادمات تبكي بحرارة وخوف، وشذى تقبض على معصمها بقوة

"لديّ شاهد على هذا الكلام"

التفتوا جميعهم للخادمة التي رمقت سهام برعب لتأمرها شذى

"أخبريهم بما كنتِ تقولينه لرفيقتكِ في المطبخ"

"أ … أنا لم .."

"لا تكذبي وقولي الحقيقة .. كنتِ لتوكِ تقسمين بالله العظيم وأنتِ تقصين عليها ما رأيتِه"

نهض محيي قائلًا بحزم

"انطقي يا بنت .. قولي الحقيقة ولا تخافي من أحد"

اختلست النظرات بخوف نحو سهام فصاح فيها بصرامة

"انطقي"

اسرعت تتمتم بارتجاف

"نهضت من النوم لأشرب و .. رأيت السيدة سهام تقف على سُلم السطح وتنظر لأعلى .. كانت تتنصت على أحدهم وفجأة نزلت بسرعة وأنا تواريت حتى لا تراني و .."

صمتت ناظرة لسهام بوجل ثم أضافت

"وجدتها تجري إلى الباب و .. فتحته بسرعة .. وأدخلت هذا الرجل و"

رمقتها سهام بغل لترتبك فأخبرها ضياء آمرًا

"أكملي ولا تخافي"

رددت ودموعها تطرف

"أخبرته أن الست روض محبوسة وأنّها ستتزوج غدًا وطلبت منه أن يأخذها ويهرب و .. ووصفت له غرفتها ثم ذهبت"

هتف محيي فيها

"ولماذا لم توقظي أحدًا منا وتخبريه بوجود غريب في البيت؟"

تلجلجت أكثر وسالت دموعها

"أ .. أنا كنت خائفة ولم أعرف ماذا أفعل .. وبعدها سمعت الست روض تصرخ واستيقظ الجميع .. والله لم أعرف ماذا أفعل"

رماها بنظرات صارمة ثم أشار لها

"انصرفي الآن وسأرى بشأنكِ لاحقًا"

أسرعت تجري للخارج بينما صرخت سهام برفض

"إنّها تكذب .. هذه مؤامرة ضدي لكي .."

أخرستها صفعة زاهر التي أدارت رأسها

"اخرسي"

التفتت له بغضب وذهول ثم صرخت

"تضربني؟ .. أنت تضربني أنا؟ .. هل نسيت من أنا؟ .. والله لأجعلك تندم يا .."

رفع يده ليكرر الصفعة فأوقفه شقيقه الأكبر هاتفًا باسمه .. قبض يده وتراجع رامقًا إياها بكراهية شديدة قبل أن يهتف

"أنتِ طالق يا سهام .. طالق بالثلاثة .. إياكِ أن أرى وجهكِ مرة أخرى"

وتركها واندفع إلى الخارج لتسقط هي أرضًا بذهول وصدمة .. تبعه البقية دون أن يلقي أحدهم نظرة عليها وآخرهم شذى التي رمتها بنظرة قاسية ثم خرجت لاحقة بضياء .. أمسكت يده فالتفت لها بدهشة لتمنحه ابتسامة حملت مشاعرها وامتنانها الخالص وثقتها التي قررت منحه إياها دون ندم.

***********************

سالت دموع روض وهي تجلس أمام حسن في اليوم التالي .. تأوه حين لامست إحدى كدمات وجهه لتدهنها بالكريم .. سحبت يدها بسرعة لكنّه أسرع يمسكها ناظرًا لها بحب .. أشاحت وجهها فأمسك ذقنها وأدار وجهها له وسألها هامسًا

"لماذا تبكين الآن؟"

ارتجفت شفتاها المبتلتان بالدموع

"أنا السبب .. لو أنني لم أعاند معك لما أتيت هكذا ولما تجرأت تلك الأفعى على خداعك"

أخبرها بحنان

"لا تقولي هذا حبيبتي .. أنا من أتى مندفعًا بشوقي لكِ .. لم أفكر جيدًا .. كان يجب أن أحدد موعدًا مع أشقائكِ .. وكان يجب أن أتأكد من كلامها"

وتأملها قليلًا باشتياق ثم أردف

"لكن شوقي وخوفي عليكِ منعا عقلي من التفكير السليم"

مسحت دموعها وسحبت كفها منه، وقالت بحزم رقيق وهي تضع الكريم على كدماته الباقية

"لكن هذا لا يعني أنني نسيت ما فعلته"

تناول العلبة ليضعها جانبًا وقال

"أعرف أنني أخطأت حين لم أخبركِ بكل شيء .. أنتِ رسمتِ لي صورة مثالية بينما أنا بشر لدي أخطاء وماضي و"

قاطعته بحنق وهي تحاول النهوض

"ليس كل ماضي يمكن قبوله"

ابتسم بصبر ومنعها من التحرك

"اجلسي قليلًا .. ما صدقت أن سمح لي إخوتك بالجلوس معكِ وحل الخلاف بيننا"

وضحك ناظرًا للباب المفتوح

"لم أتوقع صراحةً أن يشفقوا عليّ بعد ما فعلوه .. كادوا يأكلونني حيًا .. اعتقدتُ أنني سأموت"

هتفت ناظرة لوجهه المكدوم بألم

"بعد الشر عنك .. لو كنت أعرف أنّ .."

تحرك لتخونه آهة ألم شديدة فهتفت بخوف

"ماذا يؤلمك؟ .. هل"

قاطعها بضحكة متألمة

"كلي يؤلمني … لا عظمة واحدة سليمة"

وتأوه مجددًا حين لامست كتفه الذي يشك أنّه انخلع

"حسبي الله ونعم الوكيل .. منك لله يا زياد يا ابن هاشمي .. منك لله"

تراجعت بدهشة وهتفت

"ماذا تقول؟ .. لماذا تدعو على الرجل؟"

ضحك متذكرًا

"لا عليكِ إنّها قصة قديمة سأخبركِ بها قريبًا"

ومال هامسًا منتزعًا حمرة خديها التي اشتاقها

"عندما نكون وحدنا في بيتنا"

واختلس نظرة للباب وأضاف

"أما الآن فأنا أعد الثواني المتبقية قبل أن يقتحم إخوتك الثيران الغرفة"

"تهذب وأنت تتحدث عن إخوتي"

هتفتها ضاربةً كتفه بحنق فتأوه

"آه يا زياد يا ابن الـ .. "

عض شفتيه كاتمًا شتمته قبل أن يسمع ضحكتها الرقيقة فالتفت لها بنظرات عاشقة ثم قال بصدق

"كنت صادقًا معكِ من البداية إلى النهاية يا روض .. ما حدث في المطعم كان كذبة .. انتقامًا من تلك الفتاة لأنّها لم تتقبل تركي لها قديمًا"

وأطرق بحزن وندم

"أعرف أنني كنت طائشًا وصاحبت العديد من الفتيات لكنني لم أتخط الحدود .. لقد أذنبت كثيرًا أعترف .. لكن قبل أن أراك بأشهر وقع لي ذلك الحادث الذي أخبرتكِ عنه .. بعد نجاتي شعرت أنّها كانت صفعة لأفيق من طيشي وذنوبي .. فتحت صفحة جديدة وتبت عن كل هذا"

رفع عينيه لها بعد لحظات مردفًا

"لم أقترب من فتاة بعدها قط .. حتى رأيتكِ على الشاطئ ذلك اليوم"

غامت عيناها بحنين وحب بينما يواصل

"يوم قابلت ساحرة سرقتني من نفسي ومن عالمي .. يومها ظننت أنّ دعواتي استُجيبت واعتبرتكِ بشارة قبول توبتي .. اعتبرتكِ بدايتي الجديدة"

صمت قليلًا بينما اغرورقت عيناها بتأثر .. أكمل هو بعد ضحكة صغيرة

"كنت أقول سابقًا أن النساء كالزهور .. كل واحدة لها عطر لا يلبث أن يذوي وعلى الواحد منا عندها أن يجد زهرة فواحة جديدة"

رمقته باستنكار فهز رأسه متابعًا

"كنت أقول لماذا أكتفي بزهرة واحدة ما دام يمكنني التمتع بحديقة كاملة"

أشاحت بوجهها متأففة

"تفكير ذكوري محض"

انفجر ضاحكًا حتى دمعت عيناه ثم قال وهو يحتضن كفها

"لكنني في النهاية صَدَقت .. حصلت على أمنيتي"

رمقته باستفهام أجابه وهو ينظر في عينيها هامسًا بكل مشاعره

"لم أحصل على وردة ولا حتى حديقة، أو روضة واحدة .. بل حصلت على روض"

احمر وجهها وأردف هو وعيناه تعدانها بكل السعادة

"وليس أي روض .. روضٌ مسحور .. يمتلك تعاويذ عطرية .. عطر يتجدد كل يوم كزهرة لا تذوي مهما مر عليها الزمن"

ذابت في عينيه وضغطت كفه فيما يهمس بحب

"عطارتي الساحرة … روضتي أنا"

**********************

بعد عشرة أيام

رمى حسن بنظرة محرقة إلى زياد الناظر له بابتسامة خبيثة والذي اقترب منه قائلًا
"هل أنا أحلم يا ناس؟ .. الشاطر حسن يدخل القفص الذهبي بقدميه؟"
"زياد يا ابن هاشمي .. لا ينقصني مزاحك اليوم؟"

توقف زياد أمامه بنفس الابتسامة ورفع كفيه يعدل له رابطة عنقه

"ما هذا؟ .. هل تشعر بتوتر الزواج يا صديقي؟ .. ماذا جرى للدنيا؟"

زفر بحنق

"زياد"
ضحك زياد بخبث قبل أن يمسك بذقنه ويدير وجهه يتأمل الآثار الباقية من كدماته وتأتأ بشفقة مفتعلة

"يا مسكين .. يبدو أنّ أشواك الزهرة لم تشفق عليك وأنت تحاول قطفها"
دفعه متجهمًا وعاد ينظر في المرآة متأففًا
"الحق ليس عليك .. الحق عليّ أنا لأنني اتصلت بعلي ليكون شاهدًا على عقد زواجي فأخبرك"
ضحك زياد ضاربًا على كتفه

"سامحك الله لم تكن تريدني .. لم يكن العشم حقًا .. قل أنّك خفت أن أراك هكذا وأشمت فيك"
وعاد يمسك ذقنه يديره إليه
"حقيقة لم أتوقع أنّ لديّ قدرة على التنبؤ لهذه الدرجة لكن .."

انفجر ضاحكًا وهو يتأمله
"تقول أنّ ثلاثة فقط من فعلوا بك هذا؟ .. كيف كان حالك إذن لو كانوا عشرة كما تنبأت لك"

"زياد .. عد لزوجتك وبيتك لا أريدك شاهدًا على زواجي"

أخبره بنزق، فابتسم زياد مشاكسًا وأحاط كتفيه
"لا والله لا يحدث .. ما كدت أصدق حين اتصل علي ليبلغني .. قلت لا أحد غيري سيشهد على زواجك"

"حسبي الله ونعم الوكيل"

ضرب زياد ظهره

"هه .. كيف شعورك وأنت رجل امرأة واحدة؟ .. رائع، صحيح؟"
رقت نظراته فجأة وابتسم دون شعور بينما يتذكر مواجهته مع أشقائها وأوامرهم الصارمة أن يرجع إلى بيته ولا يعود إلا ومعه أسرته ليخطبوها منهم رسميًا.

لم يكن لينتظر أكثر .. عاد مسرعًا مع أمه التي كادت تفقد وعيها عندما رأت حالته وأخذ أحمد ورباب ورافقهم العم راضي باعتباره والدها الروحي كما تعتبره وكما يقول هو عن نفسه مفتخرًا.. خطبها للمرة الثانية وهذه المرة تأكد أنها لن تهرب لمكان ولم يترك بيت عائلتها إلا بعد أن حصل بعناء على موافقتهم على عقد القرآن.

مرغمٌ هو على انتظار شهرين آخرين حتى تصبح له كُليًا لكن كله يهون من أجلها .. عطارته الساحرة.

اتسعت ابتسامة زياد الخبيثة وهو يرى ابتسامته الهائمة
"الحمد لله .. عشت ورأيت هذا اليوم الذي تتنهد فيه عشقًا .. الحمد والشكر لك يا ربي"
لكزه في خصره واستعاد تجهمه

"اذهب من هنا زياد .. لقد قطعت علاقتي بك تمامًا"

كاد زياد يواصل مشاكسته حين طُرق الباب ودلف أحمد قائلًا
"سنتأخر هكذا يا حسن .. لا تنس أنّ المشوار طويل"
"أنا جاهز"
ردد بسرعة والتقط سترته بينما قال زياد ضاحكًا
"اعذره فهو متوتر قليلًا"

حدجه بحنق بينما ضحك أحمد قبل أن يتحركا معًا وتبعهما هو محاولًا السيطرة على توتره وحماسه .. لا يصدق أنّها خلال ساعات قليلة فقط ستكون زوجته.

بالكاد احتمل الأيام التي مرت منذ تركها هناك .. وأخيرًا انتهى عذابه.

الليلة ستصبح ساحرة العطور له .. الليلة لن يكون هناك رجل أسعد منه في العالم.

توقفت خطواته حين رأى زياد ينظر له بخبث فانتبه لابتسامته البلهاء .. أسرع يمسحها ومر بجوار زياد قائلًا
"امسح ابتسامتك السخيفة هذه قبل أن أعيدك إلى زوجتك بفك محطم"
دوت ضحكة زياد خلفه فابتسم هو بقلة حيلة وتابع تحركه نحو الصالة .. أطلقت أمه زغرودة عالية حين رأته ثم أجهشت في البكاء لتضحك رباب قائلة
"المسكينة لا تصدق نفسها"

ضربتها أمه على كتفها
"اصمتي يا بنت"
ضحك وهو يقترب ليضمها بين ذراعيه فربتت على قلبه

"عشت ورأيتك عريسًا يا حسن"
احتضنها بحب وقبّل رأسها
"كله بفضل دعائكِ يا أمي"
"ربنا يتمم لك بخير ويسعدك دائمًا يا بني"
قبّل رأسها مرة أخرى ثم أبعدها ومسح دموعها قائلًا
"هيا امسحي دموعكِ يا أم حسن .. اليوم زواج ابنك"

ربتت على قلبه داعية له قبل أن تبتعد وتمسح دموعها .. أمسك يدها ورافقها للخارج ليغادرا الشقة وتبعهما البقية.

*************

بعد ساعات وصل الجميع إلى البلدة واستقبلهم ضياء مع إخوته بابتسامة واسعة .. عانق حسن مربتًا على ظهره وابتسم وهو يراه يتململ ناظرًا إلى البيت
"لا تقلق ستراها بعد قليل"
أخبره ضاحكًا فابتسم حسن بحرج قبل أن يصافح البقية وتحرك معهم إلى الداخل وقلبه يكاد يتوقف من شدة النبض.

لا يعرف كيف احتمل الدقائق في انتظار طلتها الحبيبة وكيف تحكم في نفسه ليمنعها من ترك الجميع والذهاب إليها في الحال.

وضع يده في يد أخيها الأكبر ولم يستطع كبح ابتسامته السعيدة بينما يردد خلف الشيخ، شاعرًا مع كل لحظة أنّ الرابط الذي جمعهما يومًا يزداد وثاقةً وقوة .. الآن فقط أصبحت له حقيقةً .. أصبحت زوجته وحبيبته أمام الله والجميع.

لا يهم إن تأخر الزفاف قليلًا .. يكفيه أنّه سيبيت الليلة وهي تحمل اسمه.

شعر بحرقة تأثر في عينيه بينما زياد وضياء يوقعان على عقد الزواج بعد أن وقعت روض في الغرفة المجاورة .. نهض بعدها ليتلقى عناق زياد بابتسامة واسعة
"زيجة العمر يا حسن"
قالها زياد بجدية وهو يربت على ظهره قبل أن يبتعد ويقول مستعيدًا وجهه المشاكس
"لا تلعب بذيلك وإلا .."
غمز مشيرًا لإخوتها
"أنت تعرف"
ضربه على كتفه ضاحكًا وتركه ليتلقى التهنئة من أحمد والبقية في جو هادئ غابت عنه أجواء الاحتفال نظرًا لوفاة والدها قبل أقل من شهرين.

وعد نفسه أنّ يعوضها بحفل زفاف يليق بحبيبته الساحرة.

"هيا يا حسن مع السلامة .. ماذا تنتظر؟"
قال ضياء مشاكسًا فرمقه بنزق

"لن أتزحزح من هنا قبل أن أرى زوجتي"
ضرب على كتفه وقال
"لن أتعذب وحدي يا رجل .. عليك أن تنتظر مثلي"

"كان الله في عونك"
أخبره مشفقًا متوقعًا حالته مع شذى التي يدرك أنّها لن تسلم بسهولة

"آمين .. أنا في حاجة للدعاء يا صديقي"

"جميعنا سندعو لك"
قال ضاحكًا ثم دفعه
"وسأدعو لك الليلة بحرارة إن تركتني أرى زوجتي"
تدخل زياد قائلًا
"دع المسكين يرى زوجته .. ما صدقنا أنّه وجد الفتاة المعجزة التي أوقعته من عليائه"

رمقه بتنمر
"زياد يا هاشمي .. ما الذي لا تزال تفعله هنا؟ .. لماذا لا تعود لبيتك؟"
هز كتفيه مغيظًا
"أنا أنتظر رؤية الفتاة التي حققت المستحيل"
"ستراها في حفل الزفاف .. هيا اذهب"

مط زياد شفتيه ثم ابتسم
"قل بصراحة أنّك تغار عليها"

"أنا أغار .. ارتحت؟"
هتف بحنق فضحك زياد
"كثيرًا"

تركه وتحرك نحو الخارج متلقيًا في طريقه تهنئة من تبقى من الحضور ولمح رباب في الردهة مع زوجتيّ مروان وعزمي فأشار لها .. اعتذرت منهما وما أن اقتربت حتى هتف
"هل ينوون تركي أرى زوجتي في يومي هذا أم ماذا؟"

ضحكت على حنقه
"على مهلك أيها العاشق"
"رباب .. لا ينقصني أنتِ أيضًا الآن"
ربتت على كتفه وقالت غامزة

"لا تقلق .. ستراها حالًا"
وأشارت إليه ليتبعها فتحرك مسرعًا وقادته إلى إحدى الغرف وطرقتها بدقات مرحة .. سمع صوت شذى وأمه قبل أن ينفتح الباب وقالت رباب بمرح
"العريس سيموت ليرى عروسه يا قوم"
ضربها على رأسها بحنق ثم أزاحها عن الطريق
"هل اتفقتم عليّ كلكم اليوم؟"

توقف مكانه بقلبٍ ارتجف بعنف وصمت تمامًا ناسيًا ما كان ينوي قوله بينما يرى حبيبته تقف أمامه في فستان وردي زادها جمالًا في عينيه .. كانت تقف أمام شذى التي تُعدِل لها الفستان من الخلف بينما أصابعها هي تلامس قلادتها العطرية على صدرها قبل أن تعيد خصلاتها الناعمة للخلف كاشفة عن عنقها ومقدمة صدرها.

توقفت أنفاسه بانبهار وأفاقته شهقتها هي حين رأته .. أسرعت تختبئ خلف شذى التي رمقته بحنق

"كيف تدخل هكذا يا حسن؟"

تحرك وعيناه على حوريته
"اصمتي أنتِ تمامًا يا شذى"
انفرجت شفتاها بصدمة واستنكار وضحكت رباب .. قاطعت أمه خطواته حين توقفت أمامه بعينيها الدامعتين
"مبارك لك يا حبيبي .. ربي يجعلها زيجة العمر"
احتضنها بقوة وعيناه على روض التي نظرت له من خلف كتف أختها بابتسامتها الخجولة وخداها احمرا بشدة.

ابتعدت أمه بعد أن ربتت على قلبه وأشارت لرباب وشذى أن يتبعاها لكنّ شذى ظلت ترمقه بتنمر فشدتها أم حسن وهي تضحك .. لم تنس شذى أن تشير له محذرة بنظرة قاتلة

"دقيقتان فقط وسأقتحم الغرفة، سمعت؟"

شدتها أم حسن للخارج وانغلق الباب.

التفت هو إلى روض التي وقفت مطرقة بشفتين ترتجفان وقلب يكاد يسمع دقاته من مكانه

"روضتي"

زادت رجفة شفتيها ولأول مرة تجد صعوبة في مواجهته .. توقف أمامها ومد يمسك ذقنها ويرفع وجهها إليه لينظر في عينيها اللتين دمعتا برقة
"مبارك لي فوزي بكِ عطارتي"

"حسن"

رددت بخجل فرفع كفه يلامس خصلاتها التي ازدادت طولًا عما يتذكرها .. احتضن وجهها ومال يقبل جبينها بقدسية هامسًا
"ساحرة حسن .. روضته الفاتنة"

شعر برجفتها الرقيقة ولامست دمعة رقيقة كفه فمسحها قبل أن يضمها بين ذراعيه ويهمس
"شكرًا لأنّكِ سرقتِني وأسرتِ قلبي روضتي .. شكرًا لأنّكِ ملأتِ حياتي وعدتِ لتكتمل بكِ روحي الناقصة .. ليتكِ تعرفين كم أحبكِ"

أغمضت عينيها وهي تسند رأسها لصدره مستمعة لنبضاته تهدهدها بأمان ووعد بحب أبدي لا يموت
"لكنني أعرف كم أحبك يا حسن"

اتسعت ابتسامته وهو يضمها يعيد على مسامعها كم يحبها وكم سيظل يفعل لآخر عمره.

*****************

بعد سبعة أشهر

تنفست شذى بتوتر وتململت بعصبية لتهتف روض

"اثبتي يا زوزو .. لا أستطيع ضبط الفستان هكذا"

"خلِّصي يا روض .. كل هذا تعقدين الأربطة"

هتفت فيها بعصبية فردت روض

"لو توقفتِ عن التحرك كل ثانية كنت انتهيت من الصباح"

"أوف .. تمام هيا انتهي"

ضحكت روض مرددة بعبث

"اهدأي يا عروس .. لن يطير الزواج .. اصبري قليلًا و .."

انتهت جملتها بتأوه حين التفتت شذى وضربتها بحنق

"لا ينقصني مزاحكِ الأحمق الآن"

طرقات ارتفعت على باب الغرفة

"سأدخل يا عروس"

"تعالي يا كريمة وأنقذيني"

نادتها شذى ففتحت كريمة ودخلت لتقول روض

"بل تعالي وأنقذيني أنا .. لقد عذبتني"

ضحكت كريمة وتقدمت نحوهما بقدر ما سمح حملها المتقدم

"ما الأمر؟ .. تحتاجان المساعدة فيما يبدو"

زفرت شذى وهي تجلس على الكرسي وقالت روض

"أنا من تحتاج المساعدة هنا"

"روض"

هتفت شذى بتذمر فغمزت روض لكريمة

"إنّها متوترة كما ترين"

"روض"

هتفت مجددًا لتقول روض

"تمام لن أنطق بكلمة"

والتفتت لكريمة

"ضياء اتصل وقال أنّهم سيصلون خلال نصف ساعة"

"ماذا؟"

هتفت شذى وهي تستدير في مقعدها

"نصف ساعة؟ .. لا .. لست مستعدة .. قولي له يتأخر قليلًا"

تبادلت روض وكريمة النظرات ثم انفجرتا بالضحك

"يتأخر أكثر من هذا؟ .. المسكين ذاق الأمرّين على يديكِ يا شذى وما صدق أنّكِ وافقتِ على الزواج أخيرًا"

"ليست مشكلتي .. اتصلي وقولي له يأخذ جولة طويلة في المدينة حتى أستعد"

ضحكتا أكثر فحدجتهما بحنق

"أنا لا أمزح"

"طبعًا يا زوزو طبعًا لا تمزحين"

قالت روض مهادنة وابتسمت وهي تمسك كتفيها وتديرها نحو المرآة

"سأتصل وأخبره .. لكن اهدأي ودعي كريمة تنتهي من تجهيزكِ .. أريدكِ أن تكوني مبهرة الليلة وتسحري أخي، تمام؟"

بللت شفتيها بتوتر ثم قالت

"اتصلي به .. حالًا"

تبادلت النظرات مع كريمة بابتسامات مكتومة

"تمام سأفعل .. لا تقلقي"

"الآن يا روض"

هتفت فيه قبل أن ترتفع دقات أخرى تلاها صوت روان وهي تفتح الباب

"ماذا تفعلّن كل هذا؟ .. العريس على وشك .."

صاحت كريمة وروض في ذات الوقت

"روان اخرجي"

حدقت فيهما بغباء ثم هتفت

"لماذا هذا الهجوم؟"

قالت روض وهي تنظر لشقيقتها التي زادت حركتها تململًا

"حسبي الله .. ما صدقنا أنّها بدأت تهدأ"

ارتسمت ابتسامة خبيثة على شفتيها وهي تقترب

"ماذا؟ .. هل رئيستنا تشعر بالتوتر؟ .. لا تقولي هذا .. أين شذى آكلة الرجال؟"

حدجتها بنظرة نارية وتلفتت حولها .. التقطت أقرب شيء أمامها وكان مصفف الشعر الحراري فأسرعت روض تمسك يدها

"لا .. هذا سيفتح رأسها .. لا نريد أي كوارث الليلة"

لم تبال روان وهي تقترب مشاكسة

"صحيح .. لا أريد أن تسببي لي عاهة الآن بينما أنا متألقة هكذا وأنوي اصطياد أحد الوسيمين"

ولوت شفتيها بتذمر

"لن أظل العزباء الوحيدة بينكن"

هزت كريمة رأسها بيأس وابتسمت روض لتقترب روان وتحيط كتفيها بذراعها قائلة

"قولي لي يا روض .. ألا يوجد في عائلتكِ شخص يناسب مواصفات فتى أحلامي؟"

"كريمة .. خَلِّصِيني"

هتفت شذى بحنق فضحكت كريمة واقتربت تساعدها في إنهاء زينتها بينما واصلت روان بمرح

"ماذا عن أخيكِ المسكين؟ .. ذلك الذي طلّق زوجته الحرباء .. هل هو مُتاح؟"

ردت بابتسامة مكتومة

"مُتاح لكنّه لا يناسبكِ سنًا للأسف"

"الحب لا يعرف سنًا يا روض"

رددت بطريقة مسرحية انتزعت ضحكة روض لكنّها ضربتها

"كُفي عن هذا"

دلكت مكان ضربتها

"لا بأس .. أنا لن أشعر باليأس"

ثم قطبت مدعية التفكير

"هل السبب يا تُرى هو أنني لم أجرب استخدام عطوركِ في اصطياد واحد؟"

ونقلت بصرها بين ثلاثتهم

"بالنظر لكل ما حدث فربما كان هذا هو السر"

ضحكت كريمة وروض وابتسمت شذى مرغمة وروان تردف

"لا يا روض .. لم يكن هذا العشم .. تعرفين السر كل هذا الوقت وتبخلين به عليّ؟ .. أنا أُصر أن تصنعي لي واحدًا مخصوصًا وإلا سأسرق زوجكِ؟"

اختفت ضحكة روض ورمقتها بتنمر

"ابتعدي عن زوجي وإلا انتزعت عينيكِ يا روان"

تأوهت روان مع ضربتها وهتفت

"أنا أمزح .. لماذا لم يعد أحد يفهم المزاح؟"

"زوجي خط أحمر .. لا أتفهم المزاح حين يتعلق الأمر به"

قالت بتذمر طفولي فضحكت روان وغمزت مغيظة

"الحب وسنينه"

ادعت كريمة الغضب واتجهت لتمسكهما من أذنهما تدفعهما إلى الباب

"لا استطيع التركيز بسببكما"

قاومتاها باعتراض وقالت روان

"لا سنجلس بأدب والله"

تركتهما وعادت إلى شذى التي قالت بعد دقائق

"لم تتصلي بضياء يا روض؟"

"أوف .. لم تنس"

رددت روض بحنق محدثة روان فهتفت شذى فيها

"بالطبع لم أنس .. هيا اتصلي"

زمت شفتيها وتحركت إلى خارج الغرفة وهي تحدث نفسها بتذمر .. شهقت فجأة حين أحاطت ذراع بخصرها تشدها إلى صاحبها الذي ردد

"ساحرتي تتحدث مع نفسها؟ .. ما الأمر؟"

اختفى حنقها وذابت في عينيها كالعادة

"حسن"

"قلب حسن"

ردد هامسًا وهو يميل نحوها فضربته على صدره

"أفزعتني"

ابتسم وهو يميل أكثر

"ماذا أفعل؟ .. اشتقت لكِ"

رنت بعينيها إليه

"لقد تركتك منذ نصف ساعة فقط يا حسن"

تأتأ هامسًا

"كثير جدًا .. كيف لا أشتاق لكِ خاصةً وأنتِ بهذه الفتنة والدلال"

احمر وجهها وتمتمت بخجل

"حسن .. دعني أذهب .. شذى تحتاجني"

داعب طرف وشاحها بورداته الصغيرة وتوقفت أصابعه فوق قلادتها بينما يهمس

"ماذا عني؟ .. ألا أحتاجكِ أنا أيضًا؟"

نظرت له بابتسامة مكتومة وارتفعت على أطراف أصابعها لتقبل خده

"سأعوضك بعد انتهاء الزفاف .. أعدك"

وأسرعت تنسل من بين ذراعيه قبل أن يستطيع الإمساك بها

"روض .. عودي هنا حالًا"

أرسلت له قبلة في الهواء فهتف

"اشتق إليّ قليلًا بعد حبيبي"

تابعتها عيناه بعشق وقبل أن تدخل التفتت ترمقه بابتسامة شقية وأرسلت له قبلة أخرى .. دخلت وابتسامتها تشق وجهها لتبهت فور أن هتفت شذى

"اتصلتِ به وأخبرتِه؟"

نظرت لها بحيرة ثم هتفت

"آه .. تقصدين ضياء .. إنّه .."

صمتت وهي تنظر إليها مليًا ولم تلبث الدموع أن تسللت إلى عينيها

"زوزو .. انظري لنفسكِ"

احمر وجه شذى فجأة بينما اقتربت روض

"أنتِ جميلة جدًا يا زهرتي .. أصبحتِ فاتنة"

رددت بتأثر وهي تتأمل فستانها بتصميمه البسيط الهادئ بالوردات الرقيقة التي تزينه وزينة وجهها الرقيقة زادت ملامحها جمالًا بينما اكتفت بطوق من الورود فوق شعرها المفرود

"تبدين كالحوريات حبيبتي"

هتفت كريمة وهي ترى الدموع تترقرق في عينيّ شذى

"لا تجعليها تبكي يا روض .. ستفسدين زينتها"

مسحت روض دمعة واقتربت منها لتحتضنها

"كم أنا سعيدة .. لا أصدق أنني أراكِ هكذا .. لو كانت أمي وجدتي معنا الآن"

قاومت شذى دموعها واحتضنتها بقوة، وكريمة وروان تنظران لهما بتأثر قبل أن تبعدها شذى متمتمة بتحشرج

"هل سنقلب الأدوار الآن؟"

ضحكتا معًا بينما تتذكران يوم زفاف روض والبكاء الحار الذي بكته شذى وتمسكها بها حتى كاد حسن ينفجر.

رفعت روض كفها وقبلت راحتها هامسة

"كوني سعيدة دائمًا حبيبتي"

لامست شذى خدها برقة

"وأنتِ أيضًا روضتي"

أومأت روض ثم أخبرتها

"ضياء يحبكِ وأنا واثقة أنّه سيبذل كل ما يملك لإسعادكِ"

هزت رأسها والتأثر يمنع صوتها .. مسحت كريمة دمعة وهي تتبادل الابتسامات مع شقيقتها قبل أن يسمع أربعتهم خطوات سريعة اندفعت مقتربة تبعتها ضربات متلاحقة على الباب الذي انفتح لتطل ياسمين وشمس ما أن أذنت لهما كريمة بالدخول

"أبلة شذى .. آبيه ضياء .."

توقفت كلمات ياسمين بينما تحدق هي وشمس فيها بانبهار قبل أن تقول

"أبلة شذى .. أصبحتِ جميلة للغاية"

ورددت شمس وهي تضم كفيها إليها بانبهار

"كالحورية تمامًا"

ابتسمت روض وهي تبتعد قليلًا تتأمل أختها لمرة أخيرة وارتعدت ابتسامة شذى الخجولة قبل أن تبهت حين دوت الزغاريد بالخارج وعادت ياسمين تهتف

"صحيح .. آبيه ضياء وصل"

تراجعت بتوتر

"وصل؟ .. لماذا وصل الآن؟ .. لست"

قاطعتها روض ضاحكة

"بل أنتِ مستعدة"

نقلت بصرها بينهم وتسارعت أنفاسها ثم هتفت

"لا .. لست مستعدة .. لحظة .. لا .. لقد تراجعت"

"تراجعتِ عن ماذا؟"

هتفت روض بصدمة فاندفعت شذى نحو الباب

"تراجعت .. لن أتزوج .. لن .."

"ياسمين .. شمس .. أغلقا الباب"

هتفت روض ليسرعا بالوقوف أمام شذى لتزيحهما بالقوة وتفتحه

"كريمة ألحقي بها .. توقفي يا شذى .. لقد فقدت عقلها"

صاحت روض وهي تمسك بطرف فستانها تجري خلفها بينما دوت ضحكات كريمة وروان في الخلف

"توقفي يا شذى"

"لن أتوقف .. سأخبره أن .."

انقطعت كلماتها وشهقت متوقفة حين وجدته واقفًا أمامها في منتصف الرواق

"ماذا ستخبرينني يا زهرتي؟"

انفرجت شفتاها وهي تحدق فيه بثيابه السودء الأنيقة وتصفيفة شعره وتوقفت عيناها على عينيه الغامرتين بالعشق بينما يقترب مربكًا نبضاتها أكثر وأكثر .. ارتعشت شفتاها وهي تهمس اسمه وفي ثوان تبخرت كل مخاوفها وشكوكها أمام عينيه اللتين تأملتاها بانبهار

"زهرتي الساحرة .. ليتكِ ترين نفسكِ في عينيّ الآن"

"ضياء أنا .."

قاطعهما صوت روض المتذمر وهي تدفعها نحوه

"أخي من فضلك .. فلتؤجل هذا الحوار حتى تضمن أنّها لن تهرب .. تزوجها واخطفها بعيدًا قبل أن يفوت الأوان"

التفتت شذى ترمقها بحنق فغمزت لها وتركتها متجهة إلى حسن الواقف بالقرب .. ارتمت بين ذراعيه ليضمها بحنان متفهمًا تأثرها .. مسحت دموعها خُفية بينما يمسح على ظهرها وعادت تنظر إلى أختها داعية لها بالسعادة والحب.

قطعت شذى نظراتها مع روض وعادت تنظر إلى ضياء الذي اقترب حتى لم تعد تفصلهما سوى خطوة وابتسمت بخجل

"لا أظن هناك رجلًا بسعادتي اليوم"

ردد بصوتٍ متحشرج وأطرقت رأسها بارتباك فابتسم بحنان ومال يطبع قبلة رقيقة على جبينها وهمس

"ارفعي وجهكِ زهرتي .. لا تحرميني أبدًا من عينيكِ هاتين"

نظرت له ومشاعرها تفضحها ليهمس

"أحبكِ شذى عاصم .. أحبكِ ولن أتوقف عن حبكِ ما حييت"

وحين مال يطبع قبل أخرى على جبينها همس قلبها له باعتراف حب صامت لا زال ينتظر اللحظة التي ستنطق به شفتاها .. لقد انتظر طويلًا وأقل ما يستحقه منها أن تخبره هذه الكلمات البسيطة .. شعرت بقلبها صغيرًا على كل المشاعر التي تحملها له ولم يحتمل قلبها الكتمان أكثر فدفع الكلمات إلى شفتيها طاردًا ضعفها وخوفها لتنظر في عينيه هامسة بكل مشاعرها

"أحبك ضياء"

****************

التعليقات

200

المشاهدات

30,000

الإعجابات

500

شرفنا بوجودك، اشترك من هنا

اقرأ أيضًا

غلاف سديم عشق
سديمُ عشق

وسط قلوبٍ سكنتها النيران، قلوب تشتعل بنار شوق وعشق لم تمسه يد الزمن وأخرى تحرقها نارُ انتقامٍ لا يرحم وبعضُها تُلهبه نارُ ذنبٍ لا يُغتَفر، وقلوبٍ أخرى...

اقرأ المزيد